وَيُقَالُ: سَفَعَ بِنَاصِيَةِ فَرَسِهِ. قَالَ الرَّاغِبُ: السَّفْعُ: الْأَخْذُ بِسَفْعَةِ الْفَرَسِ، أَيْ: بِسَوَادِ نَاصِيَتِهِ، وَبِاعْتِبَارِ السَّوَادِ قِيلَ: بِهِ سَفْعَةُ غَضَبٍ اعْتِبَارًا بِمَا يَعْلُو مِنَ اللَّوْنِ الدُّخَّانِيِّ وَجْهَ مَنِ اشْتَدَّ بِهِ الْغَضَبُ، وَقِيلَ لِلصَّقْرِ:
أَسْفَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ لَمَعِ السَّوَادِ، وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ اللَّوْنِ. انْتَهَى، وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ سَفْعِ النَّارِ وَالشَّمْسِ إِذَا غَيَّرَتْ وَجْهَهُ إِلَى سَوَادٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ (?) :
أَثَافِيَّ سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ (?) .
وَقَوْلُهُ: ناصِيَةٍ بَدَلٌ مِنَ النَّاصِيَةِ، وَإِنَّمَا أَبْدَلَ النَّكِرَةَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ لِوَصْفِهَا بِقَوْلِهِ: كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ إِبْدَالَ النَّكِرَةِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ إِلَّا بِشَرْطِ وَصْفِهَا. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ، فَيَجُوزُ إِبْدَالُ النَّكِرَةِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِلَا شَرْطٍ، وَأَنْشَدُوا:
فَلَا وَأَبِيكَ خَيْرٌ مِنْكَ إِنِّي ... لَيُؤْذِينِي التَّحَمْحُمُ وَالصَّهِيلُ
قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِجَرِّ «نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ» وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِرَفْعِهَا عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ: هِيَ نَاصِيَةٌ، وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِنَصْبِهَا عَلَى الذَّمِّ. قَالَ مُقَاتِلٌ: أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فَاجِرٌ خَاطِئٌ، فَقَالَ: «نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ» ، وتأويلها: صَاحِبُهَا كَاذِبٌ خَاطِئٌ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ أَيْ: أَهْلَ نَادِيهِ، وَالنَّادِي: الْمَجْلِسُ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ الْقَوْمُ وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ مِنَ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْمَعْنَى:
لِيَدْعُ عَشِيرَتَهُ وَأَهْلَهُ لِيُعِينُوهُ وَيَنْصُرُوهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ (?) :
وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ الْمَجْلِسُ (?)
أَيْ: أَهْلُهُ. قِيلَ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُهَدِّدُنِي وَأَنَا أَكْثَرُ الْوَادِي نَادِيًا؟ فَنَزَلَتْ: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ- سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ أَيِ: الْمَلَائِكَةَ الْغِلَاظَ الشِّدَادَ، كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ. قال الكسائي والأخفش وعيسى ابن عُمَرَ: وَاحِدُهُمْ زَابِنٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: زِبْنِيَةٌ، وَقِيلَ: زَبَانِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَعَبَادِيدَ وَأَبَابِيلَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الشُّرَطُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَصْلُ الزَّبْنِ الدَّفْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَمُسْتَعْجِبٌ مِمَّا يَرَى مِنْ أَنَّاتِنَا ... وَلَوْ زَبَنَتْهُ الْحَرْبُ لَمْ يَتَرَمْرَمِ
وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ هَذَا الِاسْمَ عَلَى مَنِ اشْتَدَّ بَطْشُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مَطَاعِيمُ فِي الْقُصْوَى مُطَاعِينَ فِي الْوَغَى ... زَبَانِيَةٌ غُلَّبٌ (?) عِظَامٌ حُلُومُهَا
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «سَنَدْعُ» بِالنُّونِ، وَلَمْ تُرْسَمِ الْوَاوُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ (?) وقرأ ابن أبي