الَّذِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ أَسْبَابِ رَفْعِ الذِّكْرِ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَإِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً صلّى عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، وَأَمْرُ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ كَقَوْلِهِ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (?) وَقَوْلِهِ: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (?) وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (?) وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ مَلَأَ ذِكْرُهُ الْجَلِيلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ لِسَانِ الصِّدْقِ وَالذِّكْرِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ الصَّالِحِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (?) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ عَدَدَ مَا صَلَّى عَلَيْهِ الْمُصَلُّونَ بِكُلِّ لِسَانٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ حَسَّانَ:
أَغَرُّ عليه للنبوّة خاتم ... من الله مشهود يَلُوحُ وَيَشْهَدُ
وَضَمَّ الْإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ مَعَ اسْمِهِ ... إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنِ أَشْهَدُ
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أَيْ: إِنَّ مَعَ الضِّيقَةِ سَعَةً، وَمَعَ الشِّدَّةِ رَخَاءٌ، وَمَعَ الْكَرْبِ فَرَجٌ. وَفِي هَذَا وَعْدٌ منه سبحانه بأن كل عسر يَتَيَسَّرُ، وَكُلَّ شَدِيدٍ يَهُونُ، وَكُلَّ صَعْبٍ يَلِينُ. ثُمَّ زَادَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْوَعْدَ تَقْرِيرًا وَتَأْكِيدًا، فَقَالَ مُكَرِّرًا لَهُ بِلَفْظِ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أَيْ: إِنَّ مَعَ ذَلِكَ الْعُسْرِ الْمَذْكُورِ سَابِقًا يُسْرًا آخَرَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ إِذَا أُعِيدَ الْمُعَرَّفُ يَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسَ أَوِ الْعَهْدَ، بِخِلَافِ الْمُنْكَّرِ إِذَا أُعِيدَ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِالثَّانِي فَرْدٌ مُغَايِرٌ لِمَا أُرِيدَ بِالْفَرْدِ الْأَوَّلِ فِي الْغَالِبِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ:
«لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْعُسْرَ وَاحِدٌ وَالْيُسْرَ اثْنَانِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: ذَكَرَ الْعُسْرَ مَعَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ ثُمَّ ثَنَّى ذِكْرَهُ، فَصَارَ الْمَعْنَى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَيْنِ.
قِيلَ: وَالتَّنْكِيرُ فِي الْيُسْرِ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، وَهُوَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ غَيْرُ مُكَرَّرٍ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِسُكُونِ السِّينِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَعِيسَى بِضَمِّهَا فِي الْجَمِيعِ فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ أَيْ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِكَ، أَوْ مِنَ التَّبْلِيغِ، أَوْ مِنَ الْغَزْوِ فَانْصَبْ، أَيْ: فَاجْتَهِدْ فِي الدُّعَاءِ وَاطْلُبْ مِنَ اللَّهِ حَاجَتَكَ، أَوْ فَانْصَبْ فِي الْعِبَادَةِ، وَالنَّصَبُ: التَّعَبُ، يُقَالُ: نَصَبَ يَنْصَبُ نَصَبًا، أَيْ: تَعِبَ.
قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَانْصَبْ إِلَى رَبِّكَ فِي الدُّعَاءِ، وَارْغَبْ إِلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ يُعْطِكَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ. قَالَ الشعبي: إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك، وكذا قال الزهري. وقال الكلبي أيضا: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَانْصَبْ: أَيِ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّكَ فَانْصَبْ لِعِبَادَةِ رَبِّكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فَانْصَبْ فِي صَلَاتِكَ، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيِ اجْعَلْ رَغْبَتَكَ إِلَى اللَّهِ وحده. قال عطاء: يريد أن يَضْرَعُ إِلَيْهِ رَاهِبًا مِنَ النَّارِ، رَاغِبًا فِي الجنة، والمعنى: أنه يرغب إليه سبحانه