وَهِيَ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
نَزَلَتْ سُورَةُ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى مكة. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَنَحْوِهَا» . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمُ الْهَاجِرَةَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ، فَقَرَأَ وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُمِرْتَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُوَقِّتَ لَكُمْ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ: «فَهَلَّا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى؟» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنِّي لَأَقُولُ إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي السَّمَاحَةِ وَالْبُخْلِ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
لَا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19)
إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21)
وقوله: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى أَيْ: يُغَطِّي بِظُلْمَتِهِ مَا كَانَ مُضِيئًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَغْشَى اللَّيْلُ الْأُفُقَ وَجَمِيعَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيَذْهَبُ ضَوْءُ النَّهَارِ، وَقِيلَ: يَغْشَى النَّهَارَ، وَقِيلَ: يَغْشَى الْأَرْضَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى أَيْ: ظَهَرَ وَانْكَشَفَ وَوَضُحَ لِزَوَالِ الظُّلْمَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي اللَّيْلِ، وَذَلِكَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «مَا» هُنَا هِيَ الْمَوْصُولَةُ، أَيْ: وَالَّذِي خلق الذكر والأنثى، وعبّر عن من بما لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ وَلِقَصْدِ التَّفْخِيمِ، أَيْ: وَالْقَادِرُ العظيم الّذي خلق الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ وَالَّذِي خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، فَيَكُونُ قَدْ أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَما خَلَقَ أَيْ:
وَمَنْ خلق. وقال مُقَاتِلٌ: يَعْنِي وَخَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، فَتَكُونُ «مَا» عَلَى هَذَا مَصْدَرِيَّةً. قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ:
يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
«وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» بِدُونِ مَا خَلَقَ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ: إِنَّ عَمَلَكُمْ لَمُخْتَلِفٌ فَمِنْهُ عَمَلٌ لِلْجَنَّةِ، وَمِنْهُ عَمَلٌ لِلنَّارِ. قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: السَّعْيُ: الْعَمَلُ، فَسَاعٍ فِي فِكَاكِ نفسه، وساع