وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَجَابِرٍ وَعِكْرِمَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: إِلَّا آيَةً مِنْهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: لِلَّذِينَ آمَنُوا إِلَى أَيَّامَ اللَّهِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كما سيأتي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9)
مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
قَوْلُهُ: حم قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْفَاتِحَةِ وَفِي إِعْرَابِهَا فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ غَافِرٍ وَمَا بَعْدَهَا، فَإِنْ جُعِلَ اسْمًا لِلسُّورَةِ فَمَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ جُعِلَ حُرُوفًا مَسْرُودَةً عَلَى نَمَطِ التَّعْدِيدِ فَلَا مَحَلَّ لَهُ، وَقَوْلُهُ: تَنْزِيلُ الْكِتابِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ خَبَرٌ ثَانٍ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ فَقَالَ: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ: فِيهَا نَفْسِهَا فَإِنَّهَا مِنْ فُنُونِ الْآيَاتِ، أَوْ فِي خَلْقِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَوْلُهُ: وَفِي خَلْقِكُمْ أَيْ:
فِي خَلْقِكُمْ أَنْفُسِكُمْ عَلَى أَطْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ. قَالَ مُقَاتِلٌ: مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ إِلَى أَنْ يَصِيرَ إِنْسَانًا وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ أَيْ: وَفِي خَلْقٍ مَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ، وَارْتِفَاعُ آيَاتٍ عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَخَبَرُهُ الظَّرْفُ قَبْلَهُ، وَبِالرَّفْعِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «آيَاتٍ» بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إِنَّ، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ: وَفِي