مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ هَاتِي خَاتَمِي، قَالَتْ قَدْ أَعْطَيْتُهُ سُلَيْمَانَ. قَالَ أَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَتْ كَذَبْتَ لَسْتَ سُلَيْمَانَ، فَجَعَلَ لَا يَأْتِي أَحَدًا يَقُولُ أَنَا سُلَيْمَانُ إِلَّا كَذَّبَهُ، حَتَّى جَعَلَ الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَقَامَ الشَّيْطَانُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى سُلَيْمَانَ سُلْطَانَهُ أَلْقَى فِي قُلُوبِ النَّاسِ إِنْكَارَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى نِسَاءِ سُلَيْمَانَ فَقَالُوا لَهُنَّ: تُنْكِرْنَ مِنْ أَمْرِ سُلَيْمَانَ شَيْئًا؟ قُلْنَ نَعَمْ إِنَّهُ يَأْتِينَا وَنَحْنُ نَحِيضُ، وَمَا كَانَ يَأْتِينَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُ قَدْ فُطِنَ لَهُ ظَنَّ أَنَّ أَمْرَهُ قَدِ انْقَطَعَ، فَكَتَبُوا كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ فَدَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ أَثَارُوهَا وَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا بِهَذَا كَانَ يَظْهَرُ سُلَيْمَانُ عَلَى النَّاسِ وَيَغْلِبُهُمْ فَأَكْفَرَ النَّاسُ سُلَيْمَانَ فَلَمْ يَزَالُوا يُكَفِّرُونَهُ، وَبَعَثَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ بِالْخَاتَمِ فَطَرَحَهُ فِي الْبَحْرِ فَتَلَقَّتْهُ سَمَكَةٌ فَأَخَذَتْهُ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ يَعْمَلُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ بِالْأَجْرِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاشْتَرَى سَمَكًا فِيهِ تِلْكَ السَّمَكَةُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْخَاتَمُ، فَدَعَا سُلَيْمَانَ فَقَالَ: تَحْمِلُ لِي هَذَا السَّمَكَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ بِكَمْ؟ قَالَ بِسَمَكَةٍ مِنْ هَذَا السَّمَكِ، فَحَمَلَ سُلَيْمَانُ السَّمَكَ ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا انْتَهَى الرَّجُلُ إِلَى بَابِ دَارِهِ أَعْطَاهُ تِلْكَ السَّمَكَةَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْخَاتَمُ، فَأَخَذَهَا سُلَيْمَانُ فَشَقَّ بَطْنَهَا فَإِذَا الْخَاتَمُ فِي جَوْفِهَا فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ، فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ وَعَادَ إِلَى حَالِهِ وَهَرَبَ الشَّيْطَانُ حَتَّى لَحِقَ بِجَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ فِي طَلَبِهِ، وَكَانَ شَيْطَانًا مَرِيدًا، فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَهُ وَلَا يَقْدِرُونَ عليه حتى وجدوه يوما نائما فجاؤوا فَبَنَوْا عَلَيْهِ بُنْيَانًا مِنْ رَصَاصٍ فَاسْتَيْقَظَ فَوَثَبَ، فَجَعَلَ لَا يَثِبُ فِي مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ إلا أنباط مَعَهُ الرَّصَاصُ فَأَخَذُوهُ فَأَوْثَقُوهُ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ فَأَمَرَ بِهِ فَنُقِرَ لَهُ تَخْتٌ مِنْ رُخَامٍ ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ شُدَّ بِالنُّحَاسِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ «1» ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً يَعْنِي الشَّيْطَانَ الَّذِي كَانَ سُلِّطَ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ قَالَ: صَخْرٌ الْجِنِّيُّ تَمَثَّلَ عَلَى كُرْسِيِّهِ عَلَى صُورَتِهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ جَعَلَ يَتَفَلَّتُ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي وَإِنَّ اللَّهَ أَمْكَنَنِي مِنْهُ، فَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَامْنُنْ يَقُولُ: اعْتِقْ مِنَ الْجِنِّ مَنْ شِئْتَ وأمسك منهم من شئت.
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45)
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50)
مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ (54)