هَذَا مِنْهُمْ عَلَى طَرِيقِ التَّمَنِّي، الدَّالِّ عَلَى كَمَالِ التَّحَسُّرِ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: فَلَيْتَ لَنَا كَرَةً، أَيْ: رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا، وَجَوَابُ التَّمَنِّي: فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: نَصِيرَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ نَبَأِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْآيَةُ: الْعِبْرَةُ وَالْعَلَامَةُ، وَالتَّنْوِينُ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ، وَالتَّفْخِيمِ وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أَيْ: أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتْلُو عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ، وَهُمْ: قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ.

وَقِيلَ: وَمَا كَانَ أَكْثَرُ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ بِمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ أَيْ: هُوَ الْقَاهِرُ لِأَعْدَائِهِ الرَّحِيمُ بِأَوْلِيَائِهِ، أَوِ الرَّحِيمُ لِلْأَعْدَاءِ، بِتَأْخِيرِ عُقُوبَتِهِمْ، وَتَرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ.

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ يَعْنِي: بِأَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ قَالَ: اجْتِمَاعُ أَهْلِ الْمِلَلِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا وَاغْفِرْ لِأَبِي قَالَ: امْنُنْ عَلَيْهِ بِتَوْبَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مُغْفِرَتَكَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي. فيقول أبوه: فاليوم لا أعصينّك، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تَخِزِيَنِي يَوْمَ يَبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ» وَالذِّيخُ: هُوَ الذَّكَرُ مِنَ الضِّبَاعِ، فَكَأَنَّهُ حَوَّلَ آزَرَ إِلَى صُورَةِ ذِيخٍ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ قَالَ:

شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فَكُبْكِبُوا فِيها قَالَ: جُمِعُوا فِيهَا هُمْ وَالْغاوُونَ قَالَ: مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَالْآلِهَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً قَالَ: رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى تَحِلَّ لَنَا الشفاعة كما حلت لهؤلاء.

[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 135]

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)

إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)

ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124)

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)

وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)

إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015