قَالَ: فَشُبِّهَتْ لَوْعَةُ الْحُبِّ بِذَلِكَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: «قَدْ شَغُفَهَا» بِضَمِّ الْغَيْنِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَحُكِيَ قَدْ شَغِفَهَا بِكَسْرِ الْغَيْنِ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا شَغَفَهَا بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَيُقَالُ: إِنَّ الشَّغَافَ: الْجِلْدَةُ اللَّاصِقَةُ بِالْكَبِدِ الَّتِي لَا تُرَى، وَهِيَ الْجِلْدَةُ الْبَيْضَاءُ، فَكَأَنَّهُ لَصِقَ حُبُّهُ بِقَلْبِهَا كَلُصُوقِ الْجِلْدَةِ بِالْكَبِدِ، وَجُمْلَةُ إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا. وَالْمَعْنَى: إِنَّا لَنَرَاهَا، أَيْ: نَعْلَمُهَا فِي فِعْلِهَا هَذَا، وَهُوَ الْمُرَاوَدَةُ لِفَتَاهَا فِي ضَلَالٍ عَنْ طَرِيقِ الرُّشْدِ وَالصَّوَابِ مُبِينٍ وَاضِحٍ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِيهِ فَلَمَّا سَمِعَتْ امرأة العزيز بِمَكْرِهِنَّ أي غيبتهنّ إِيَّاهَا، سُمِّيَتِ الْغِيبَةُ مَكْرًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِخْفَاءِ وقيل: أردن أن يتوصّلن بِذَلِكَ إِلَى رُؤْيَةِ يُوسُفَ، فَلِهَذَا سُمِّيَ قَوْلُهُنَّ مَكْرًا وَقِيلَ: إِنَّهَا أَسَرَّتْ عَلَيْهِنَّ فَأَفْشَيْنَ سِرَّهَا، فسمّي ذلك مَكْرًا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ أَيْ تَدْعُوهُنَّ إِلَيْهَا لِيَنْظُرْنَ إِلَى يُوسُفَ حَتَّى يَقَعْنَ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أَيْ هَيَّأَتْ لَهُنَّ مُجَالِسَ يَتَّكِئْنَ عَلَيْهَا، وَأَعْتَدَتْ مِنَ الِاعْتِدَادِ، وَهُوَ كُلُّ مَا جَعَلْتَهُ عُدَّةً لِشَيْءٍ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «مُتْكًا» مُخَفَّفًا غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَالْمُتْكُ: هُوَ الْأُتْرُجُّ بِلُغَةِ الْقِبْطِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
نَشْرَبُ الْإِثْمَ بِالصُّوَاعِ جِهَارًا ... وَتَرَى الْمُتْكَ بَيْنَنَا مُسْتَعَارَا
وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ هُوَ لُغَةُ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَقِيلَ: حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَخْفَشِ. وَقَالَ الفراء: إنه الزّماورد (?) .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «مُتَّكَأً» بِالْهَمْزِ وَالتَّشْدِيدِ، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ الْمَجْلِسُ، وَقِيلَ: هُوَ الطَّعَامُ، وَقِيلَ: الْمُتَّكَأُ:
كُلُّ مَا اتُّكِئَ عَلَيْهِ عِنْدَ طعام أو شراب أو حديث. وحكى القتبي أَنَّهُ يُقَالُ اتَّكَأْنَا عِنْدَ فُلَانٍ، أَيْ: أَكَلْنَا، ومنه قول الشاعر (?) :
فظلنا بِنِعْمَةٍ وَاتَّكَأْنَا ... وَشَرِبْنَا الْحَلَالَ مِنْ قُلَلِهْ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لِشَيْءٍ يَأْكُلْنَهُ بَعْدَ أَنْ يُقَطِّعْنَهُ، وَالسِّكِّينُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ، وَالْمُرَادُ مِنْ إِعْطَائِهَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سِكِّينًا أَنْ يُقَطِّعْنَ مَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّقْطِيعِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ مَا سَيَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ تَقْطِيعِ أَيْدِيهِنَّ وَقالَتِ لِيُوسُفَ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي هُنَّ عَلَيْهَا مِنَ الِاتِّكَاءِ وَالْأَكْلِ وَتَقْطِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّقْطِيعِ من الطعام. قوله: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ أَيْ: عَظَّمْنَهُ، وَقِيلَ: أَمْذَيْنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذَا مَا رَأَيْنَ الْفَحْلَ مِنْ فَوْقِ قُلَّةٍ ... صَهَلْنَ وَأَكْبَرْنَ الْمَنِيَّ الْمُقَطَّرَا (?)