ومعدودة وَصْفٌ لِدَرَاهِمَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا قَلِيلَةٌ تُعَدُّ وَلَا تُوزَنُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَزِنُونَ مَا دُونَ أُوقِيَّةٍ وَهِيَ أَرْبَعُونَ دَرْهَمًا. وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ يُقَالُ: زَهِدْتُ وَزَهَدْتُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيُّ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ زَهِدَ فِيهِ، أَيْ: رَغِبَ عَنْهُ، وَزَهِدَ عَنْهُ، أَيْ: رَغِبَ فِيهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَانُوا فِيهِ مِنَ الرَّاغِبِينَ عَنْهُ، الَّذِينَ لَا يُبَالُونَ بِهِ، فَلِذَلِكَ بَاعُوهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الْبَخْسِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمُ الْتَقَطُوهُ، وَالْمُلْتَقِطُ لِلشَّيْءِ مُتَهَاوِنٌ بِهِ، وَالضَّمِيرُ مِنْ كَانُوا يَرْجِعُ إِلَى مَا قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ هُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي كَانَ عَلَى خَزَائِنِ مِصْرَ، وَكَانَ وَزِيرًا لِمَلِكِ مِصْرَ، وهو «الريان ابن الْوَلِيدِ» مِنَ الْعَمَالِقَةِ وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلِكَ هُوَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، قِيلَ: اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَقِيلَ: تَزَايَدُوا فِي ثَمَنِهِ فَبَلَغَ أَضْعَافَ وَزْنِهِ مِسْكًا وَعَنْبَرًا وَحَرِيرًا وَوَرِقًا وَذَهَبًا وَلَآلِئَ وَجَوَاهِرَ، فَلَمَّا اشْتَرَاهُ الْعَزِيزُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِاشْتَرَاهُ أَكْرِمِي مَثْواهُ أَيْ مَنْزِلَهُ الَّذِي يَثْوِي فِيهِ بالطعام وَاللِّبَاسِ الْحَسَنِ، يُقَالُ: ثَوَى بِالْمَكَانِ، أَيْ: أَقَامَ بِهِ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَيْ: يَكْفِينَا بَعْضَ الْمُهِمَّاتِ مِمَّا نَحْتَاجُ إِلَى مِثْلِهِ فِيهِ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً أَيْ: نَتَبَنَّاهُ فَنَجْعَلَهُ وَلَدًا لَنَا، قِيلَ: كَانَ الْعَزِيزُ حَصُورًا لَا يُولَدُ لَهُ، وَقِيلَ: كَانَ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، وَقَدْ كَانَ تَفَرَّسَ فِيهِ أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ فِيمَا إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْمَمْلَكَةِ. قَوْلُهُ: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ الْكَافُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِنْجَائِهِ مِنْ إِخْوَتِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنَ الْجُبِّ، وَعَطْفِ قَلْبِ الْعَزِيزِ عَلَيْهِ، أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ التَّمْكِينِ الْبَدِيعِ مَكَّنَا لِيُوسُفَ حَتَّى صَارَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، يُقَالُ: مَكَّنَهُ فِيهِ، أَيْ: أَثْبَتَهُ فِيهِ، وَمَكَّنَ لَهُ فِيهِ، أَيْ: جَعَلَ لَهُ فِيهِ مَكَانًا، وَلِتَقَارُبِ الْمَعْنَيَيْنِ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ هُوَ عِلَّةٌ لِمُعَلَّلٍ مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ:

فَعَلْنَا ذَلِكَ التَّمْكِينَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْإِنْجَاءُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَكَنَّا لِيُوسُفَ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مَا يَتَرَتَّبُ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَمَعْنَى تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ: تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا، فَإِنَّهَا كَانَتْ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بَلَغَ بِهَا مَا بَلَغَ مِنَ التَّمَكُّنِ وَقِيلَ: مَعْنَى تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَهْمُ أَسْرَارِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ وَسُنَنِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ ذَلِكَ عَلَى الْجَمِيعِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ أَيْ: عَلَى أَمْرِ نَفْسِهِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُغَالِبُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (?) ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْعَامِّ كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ إِضَافَةُ اسْمِ الْجِنْسِ إِلَى الضَّمِيرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي شَأْنِهِ وَقِيلَ مَعْنَى وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ مَنْ أَمْرِ يَعْقُوبَ أَنْ لَا يَقُصَّ رُؤْيَا يُوسُفَ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَتَّى قُصَّتْ عَلَيْهِمْ حَتَّى وَقَعَ مِنْهُمْ مَا وَقَعَ، وَهَذَا بِعِيدٌ جِدًا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى غَيْبِ اللَّهِ وَمَا فِي طَيِّهِ مِنَ الْأَسْرَارِ الْعَظِيمَةِ وَالْحِكَمِ النَّافِعَةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ: الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ يُطْلِعُ بَعْضَ عَبِيدِهِ عَلَى بَعْضِ غَيْبِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً- إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (?) وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ غالب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015