ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ صَحِيحٌ. فَكَيْفَ وَهُوَ ضَعِيفٌ غَالِبُهُ؟

وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ إِلَى قَوْلِهِ: كَما رَبَّيانِي صَغِيراً «1» قَالَ: ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ قَالَ: تَبَيَّنَ لَهُ حِينَ مَاتَ وَعَلِمَ أَنَّ التَّوْبَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي فَوَائِدِهِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَزَلْ إِبْرَاهِيمُ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوُّ لله فَتَبَرَّأَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَنَّ هَذَا خَفَضَ صَوْتَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ فَإِنَّهُ أَوَّاهٌ» . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ذُو النِّجَادَيْنِ: «إِنَّهُ أَوَّاهٌ» ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ وَالدُّعَاءِ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ لَهِيعَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْأَوَّاهُ؟ قال: «الخاشع المتضرّع بالدّعاء» . وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى الْأَوَّاهِ، وَإِسْنَادُهُ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ هَكَذَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ قَالَ: كَانَ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَذَاهُ الرَّجُلُ من قومه قال له: هداك الله.

[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116) لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)

لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، خَافَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لهم الْعُقُوبَةِ مِنَ اللَّهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الِاسْتِغْفَارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً

إِلَخْ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يُوقِعُ الضَّلَالَ عَلَى قَوْمٍ، وَلَا يُسَمِّيهِمْ ضُلَّالًا بَعْدَ أَنْ هَدَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالْقِيَامِ بِشَرَائِعِهِ مَا لَمْ يُقْدِمُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بَعْدَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ، وَمَعْنَى حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ اتِّقَاؤُهُ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الشَّرْعِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ مِمَّا يَحِلُّ لِعِبَادِهِ وَيَحْرُمُ عليهم، ومن سائر الأشياء التي خلقها، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ لَهُ سُبْحَانَهُ مُلْكَ السّموات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015