تكفير قدامة بن مظعون وأصحابه إن لم يتوبوا، لما فهموا من قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا} [المائدة: 93]. حل الخمر لبعض الخواص، ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان - رضي الله عنه - على تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة مع أنهم لم يتبعوه، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم.
ومثل تحريق علي - رضي الله عنه - أصحابه لما غلوا فيه، ومثل إجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن أبي عبيد ومن اتبعه، مع أنه يدعي أنه يطالب بدم الحسين وأهل البيت.
ومثل إجماع التابعين، ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم، وهو مشهور بالعلم والدين، وهلم جرا من وقائع لا تعد ولا تحصى.
ولم يقل أحد من الأولين والآخرين لأبي بكر الصديق وغيره: كيف تقاتل بني حنيفة وهم يقولون: لا إله إلا الله، ويصلون ويزكون؟
وكذلك لم يستشكل أحد تكفير قدامة وأصحابه لو لم يتوبوا، وهلم جرا إلى زمن بني عبيد القداح، الذين ملكوا المغرب ومصر والشام وغيرهما، ومع تظاهرهم بالإسلام، وصلاة الجمعة، والجماعة، ونصب القضاة، والمفتين لما أظهروا الأقوال والأفعال ما أظهروا، لم يستشكل أحد من أهل العلم والدين قتالهم، ولم يتوقفوا فيه، وهم في زمن ابن الجوزي والموفق، وصنف ابن الجوزي كتابًا لما أخذت مصر منهم سماه: النصر على مصر.