فيه عملًا لا يُوصَفُ، فلم يكنْ يومئذٍ في الأرضِ بيتٌ أبهى ولا أنورَ من ذلكَ المسجدِ، كان يضيءُ في الظلمةِ كالقمرِ ليلةَ البدرِ، وكانتْ صخرةُ بيتِ المقدسِ أيامَ سليمانَ ارتفاعُها اثنا عشرَ ذراعًا، وكان الذراعُ ذراعَ الأمان ذراعٌ وشبرٌ وقَبْضةٌ، وكانَ ارتفاعُ القبةِ التي عليها ثمانيةَ عشرَ ميلًا، وفوقَ القبةِ غزالٌ من ذهبٍ بينَ عينيهِ دُرَّةٌ أو ياقوتةٌ حمراءُ تغزلُ نساءُ أهلِ البلقاءِ على ضوئِها بالليل، وهي من فوقِ مرحلتينِ من القدسِ، وكانَ أهلُ عمواسَ يستظلُّونَ بظلِّ القبةِ إذا طلعتِ الشمسُ من المشرقِ، وعمواسُ بفتح الميم وسكونها، وهي التي سُمِّي بها الطاعونُ على الراجحِ؛ لأنه منها ابتدأ، وكان في سنةِ ثماني عشرةَ من الهجرةِ، وهي بالقربِ من رملةِ فلسطينَ، مسافتُها عن بيتِ المقدسِ نحوُ بريدٍ ونصفٍ، وإذا غربتِ الشمسُ استظلَّ بها أهلُ بيت الرامةِ من الغور، ومسافتُها عن بيتِ المقدسِ أبعدُ من عمواسَ، وبينَ عمارةِ سليمانَ عليه السلام للمسجدِ الأقصى وبينَ الهجرةِ النبويةِ الشريفةِ على صاحبِها الصلاةُ والسلام ألفٌ وثمانُ مئةٍ وقريبُ سنتين، وسيأتي ذكر بنائِه في تفسيرِ سورةِ سبأ عندَ قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: 13]، واستمرَّ على العمارةِ السليمانيةِ أربعَ مئةٍ وثلاثًا وخمسينَ سنةً إلى أَنْ غزاهم بُخْتَ نَصَّرُ، وخَرَّبَ العمارةَ السليمانيةَ، وأحرقَ بيتَ المقدسِ وخرَّبَهُ، واحتمل منه ثمانين عجلةً ذهبًا وفضةً، وأبادَ بني إسرائيل قتلًا وتشريدًا، واستمرَ بيتُ المقدسِ خرابًا سبعينَ سنةً كما تقدَّمَ ذكرُه في سورة البقرة، ثم أهلكَ الله بُخْتَ نَصَّرَ ببعوضةٍ دخلتْ دماغَهُ، ونَجَّى اللهُ مَنْ بقيَ من بني إسرائيلَ، ولم يمتْ ببابلَ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015