والناسُ كُلُّهم متفقونَ على إمامتِهِ، وثقتِهِ، واحتجَّ بهِ البُخاريُّ في "صحيحهِ"، وَقَالَ: ((إنَّهُ ثقةٌ صدوقٌ، مَا رأيتُ أحداً يَتَكَلَّمُ فيه بحجةٍ. كان أحمدُ، وابنُ نُمير يُثَبِّتُونَهُ، وكان يحيى - يعني: ابنَ معين - يقول: سَلُوهُ، فإنَّهُ ثَبْتٌ)) (?).
وَسببُ تجريحِ النَّسائيِّ لهُ: أنه حَضَرَ مجلسَهُ، فطرَدَهُ مِنْهُ؛ فَحَمَلَهُ ذَلِكَ على تجريحِهِ (?).
وأما ما نقلَهُ عن ابنِ مَعينٍ، فَقَالَ ابنُ حبانٍ: ((إنه اشتبَهَ عَليهِ، فإنَّ الذي جَرَّحَهُ ابنُ مَعينٍ، إنما هُو أحمدُ بنُ صالحٍ الشموميُّ الْمِصْريُّ شيخٌ بمكةَ، كَانَ يضعُ الحديثَ)) (?).
ومعَ ذَلِكَ لا يقدحُ في النسائيِّ ما قالَهُ في أحمدَ بنِ صالحٍ، (فَربَّما كَانَ لِجرْحٍ مخرجُ) أي: مَخْلَصٌ يزولُ به، ولكنْ (غَطَّى عَليهِ السُّخْطُ حينَ يُحْرَجُ) - بمهملةٍ، فراءٍ مفتوحةٍ - أي: يضيقُ صدرُهُ بسببِ مَا نَالَهُ؛ لأنَّ الفلتاتِ لا يدعى العصمةَ مِنْهَا. فَقَدْ يقعُ من أهلِ التقوى فلتاتُ لسانٍ، لا أنهم - مَعَ جلالتِهِم، ووفُورِ ديانَتِهِم - يتعمدونَ القدحَ بما يعلمون بطلانَهُ.
مَعْرِفةُ مَنِ اختلَطَ من الثِّقاتِ، فائدتها (?) تمييزُ المقبولِ من غَيرِهِ.