ولقد أحسنَ ابنُ دقيقِ العيد، بقولِهِ: ((أعراضُ المسلمينَ (?) حفرةٌ من حُفَرِ النارِ، وقف على شفيرِها طائفتانِ مِنَ النَّاسِ: المُحَدِّثونَ، والحُكَّامُ)) (?).
(وَمَعَ ذَا) أي: كونِ الجَرْح خطراً فلابدَّ مِنْهُ، (فَالنُّصْحُ) في الدينِ (حقٌ) واجبٌ، وذلِكَ لحفظِ الحقوقِ مِن الدِّماءِ والأموالِ والأعراضِ وسائرِ الحقوقِ، ولكون ذَلِكَ نصيحةً لا يعدُّ غيبَةً.
نعم: لا يجوزُ التجريحُ بشيئينِ إذا حصلَ الغرضُ بواحدٍ (?).
(وَلَقدْ أَحْسنَ) الإمامُ (يَحْيَى) بنُ سعيدٍ القطانُ (في جوابِهِ)، لأبي بكرِ بنِ خَلاّدٍ حين قَالَ لهُ: أما تخشى أنْ يكونَ هؤلاءِ الذين تركْتَ حديثَهُم خصماءَ ك عندَ اللهِ يومَ القيامةِ؟ (وَسَدْ) - بفتح أولهِ - أي: وُفِّقَ للسدادِ، وَهُوَ الصوابُ، والقصدُ من القولِ والعملِ، بقوله: (لأن يكونوا خصماءَ لي، أحبْ) إليَّ (مِن كونِ خصمِي المصطفى) - صلى الله عليه وسلم -، (إذ لَمْ أَذُبْ) - بمعجمةٍ مضمومةٍ - أي: أمنعَ الكذبَ عَن حديثِهِ (?).
ثُمَّ مِنَ المتَصدّينَ لِذَلِكَ، مَنْ يشدِّدُ في التجريحِ، ومِنْهم مَنْ يتسمَّحُ فيهِ، ومنهم من يعتدِلُ فيه (و) مع ذلك (رُبَّما رُدَّ كَلامُ الجارحِ) مع جلالتِهِ وأمانتِهِ لتحامُلِهِ، (كَالنَّسَئِيْ) - بالإسكان لما مر - (في) تجريحِهِ لأبي جعفرٍ (أحمدَ بنِ صالحِ) الْمِصْريِّ، بقولِهِ: ((لَيْسَ بثقةٍ، ولا مأمونٍ. قال ابنُ معينٍ: إنه كذابٌ يتفَلْسَفُ)) (?).
فإنَّهُ كَمَا قَالَ أبو يَعلى الخَلِيْليُّ: ((مِمَّنِ اتفقَ الحفَّاظُ على أنَّ كلامَ النَّسائيِّ فيهِ تحامُلٌ)). قَالَ: ((ولا يقدحُ كلامُ أمثالِهِ فيِهِ)) (?). وَقَالَ الذهبيُّ: ((إنه آذى نفسَهُ بكلامِهِ فيه)) (?).