فَقَالَ الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر فَالْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقَاتُ وَالْأَمْرُ هُوَ الْكَلَامُ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ نُعَيْمٍ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَسُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ أَمَخْلُوقٌ هُوَ فَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أَلَا تَرَى كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ فَالْأَمْرُ كَلَامُهُ فَلَوْ كَانَ كَلَامُهُ مَخْلُوقًا لَمْ يفرق قلت وَسبق بن عُيَيْنَةَ إِلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَتَبِعَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ السَّلَامِ بن عَاصِم وَطَائِفَة أخرج كل ذَلِك بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُمْ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِأَمْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بعد وَلِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كن فَيكون وَلِقَوْلِهِ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بأَمْره قَالَ وَتَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ مَخْلُوقَاتِهِ قَالَ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُمُ الَّذِينَ أَدَّوْا إِلَيْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ إِلَى زَمَانِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَحَمَّادٍ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَكِّيُّ فِي مُنَاظَرَتِهِ لِبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ بَعْدَ أَنْ تَلَا الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْخَلْقِ أَنَّهُ مُسَخَّرٌ بِأَمْرِهِ فَالْأَمْرُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْخَلْقُ مُسَخَّرًا بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا وَقَالَ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَمْرَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الشَّيْءِ الْمُكَوَّنِ وَقَالَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أَيْ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْخَلْقِ وَمِنْ بَعْدِ خَلْقِهِمْ وَمَوْتِهِمْ بَدَأَهُمْ بِأَمْرِهِ وَيُعِيدُهُمْ بِأَمْرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ يَرِدُ لِمَعَانٍ مِنْهَا الطَّلَبُ وَمِنْهَا الْحُكْمُ وَمِنْهَا الْحَالُ وَالشَّأْنُ وَمِنْهَا الْمَأْمُورُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمر رَبك أَيْ مَأْمُورُهُ وَهُوَ إِهْلَاكُهُمْ وَاسْتِعْمَالُ الْمَأْمُورِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَاسْتِعْمَالِ الْمَخْلُوقِ بِمَعْنَى الْخَلْقِ وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَمْرُ لَفْظٌ عَامٌّ لِلْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى واليه يرجع الْأَمر كُله وَيُقَالُ لِلْإِبْدَاعِ أَمْرٌ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أَيْ هُوَ مِنْ إِبْدَاعِهِ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِاللَّهِ تَعَالَى دون الْخَلَائق وَقَوله انما أمرنَا لشَيْء إِذا أردناه إِشَارَةٌ إِلَى إِبْدَاعِهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَقْصَرِ لَفْظٍ وَأَبْلَغُ مَا نَتَقَدَّمَ بِهِ فِيمَا بَيْنَنَا بِفِعْلِ الشَّيْء وَمِنْه وَمَا أمرنَا الا وَاحِدَة فَعَبَّرَ عَنْ سُرْعَةِ إِيجَادِهِ بِأَسْرَعِ مَا يُدْرِكُهُ وَهْمُنَا وَالْأَمْرُ التَّقَدُّمُ بِالشَّيْءِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِقَوْلِ افْعَلْ أَوْ لِتَفْعَلْ أَوْ بِلَفْظِ خَبَرٍ نَحْو والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ أَوْ بِإِشَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَتَسْمِيَتِهِ مَا رأى إِبْرَاهِيم أمرا حَيْثُ قَالَ ابْنه يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر واما قَوْله وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد فَعَامٌّ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَقَوْلُهُ أَتَى أَمْرُ الله إِشَارَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَهُ بِأَعَمِّ الْأَلْفَاظِ وَقَوله بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم أمرا أَيْ مَا تَأْمُرُ بِهِ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ انْتَهَى وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ لَا سِيَّمَا فِي تَفْسِيرِ الْأَمْرِ فِي آيَةِ الْبَابِ بِالْإِبْدَاعِ وَالْمَعْرُوف فِيهِ مَا نقل عَن بن عُيَيْنَةَ وَعَلَى مَا قَالَ الرَّاغِبُ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ بَعْدَ الْخَلْقِ تَصْرِيفُ الْأُمُورِ وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ فِي الْآيَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَبِالْأَمْرِ الْآخِرَةُ وَمَا فِيهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ قَوْلُهُ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ عَمَلًا تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَنْ قَالَ الْإِيمَانُ هُوَ الْعَمَلُ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ أَوَّلَ الْجَامِعِ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَبَيَانُ مَنْ وَصَلَهُمَا وَشَوَاهِدُهُمَا فِي بَابِ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا قَبْلَ أَبْوَابٍ قَوْلُهُ وَقَالَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يعْملُونَ أَيْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ