مَعْنَاهُ فِي الْفَضْلِ وَقَوْلُهُ جَنَّتَانِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَمن دونهمَا جنتان وَتَفْسِيرٌ لَهُ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمَا جَنَّتَانِ وَآنِيَتُهُمَا مُبْتَدَأٌ وَمِنْ فِضَّةٍ خَبَرُهُ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ فضَّة كَمَا قَالَ بن مَالِكٍ مَرَرْتُ بِوَادِ إِبِلٍ كُلُّهُ أَنَّ كُلُّهُ فَاعِلٌ أَيْ جَنَّتَانِ مُفَضَّضٌ آنِيَتُهُمَا انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجَنَّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لَا فِضَّةٍ فِيهِمَا وَبِالْعَكْسِ وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة الحَدِيث أخرجه احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ بن حبَان وَله شَاهد عَن بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَآخَرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَلَفْظُهُ خَلَقَ اللَّهُ الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة الْحَدِيثَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ صِفَةُ مَا فِي كُلِّ جَنَّةٍ مِنْ آنِيَةٍ وَغَيْرِهَا وَالثَّانِي صِفَةُ حَوَائِطِ الْجِنَانِ كُلِّهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ اللَّهَ أَحَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ وَيَتَرَجَّحُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي قَوْلُهُ وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُ الْعَرَبَ بِمَا تَفْهَمُ وَيُخْرِجُ لَهُمُ الْأَشْيَاءَ الْمَعْنَوِيَّةَ إِلَى الْحِسِّ لِيُقَرِّبَ تَنَاوُلَهُمْ لَهَا فَعَبَّرَ عَنْ زَوَالِ الْمَوَانِعِ وَرَفْعِهِ عَنِ الْأَبْصَارِ بِذَلِكَ وَقَالَ عِيَاضٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الِاسْتِعَارَةَ كَثِيرًا وَهُوَ أَرْفَعُ أَدَوَاتِ بَدِيعِ فَصَاحَتِهَا وَإِيجَازِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى جنَاح الذل فَمُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ تَاهَ فَمَنْ أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَفْضَى بِهِ الْأَمْرُ إِلَى التَّجْسِيمِ وَمَنْ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهَا إِمَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَقَلَتَهَا وَإِمَّا أَنْ يُؤَوِّلَهَا كَأَنْ يَقُولَ اسْتَعَارَ لِعَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَهَيْبَتِهِ وَجَلَالِهِ الْمَانِعِ إِدْرَاكَ أَبْصَارِ الْبَشَرِ مَعَ ضَعْفِهَا لِذَلِكَ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ فَإِذَا شَاءَ تَقْوِيَةَ أَبْصَارِهُمْ وَقُلُوبِهِمْ كَشَفَ عَنْهُمْ حِجَابَ هَيْبَتِهِ وَمَوَانِعَ عَظَمَتِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ عَلَى وَجْهِهِ حَالٌ مِنْ رِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ فَإِمَّا مُفَوَّضٌ وَإِمَّا مُتَأَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالرِّدَاءُ صِفَةٌ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ اللَّازِمَةِ الْمُنَزَّهَةِ عَمَّا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَاتِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ ظَاهِرَهُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ غَيْرُ وَاقِعَةٍ وَأَجَابَ بِأَنَّ مَفْهُومَهُ بَيَانُ قُرْبِ النَّظَرِ إِذْ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الرُّؤْيَةِ فَعَبَّرَ عَنْ زَوَالِ الْمَانِعِ عَنِ الْإِبْصَارِ بِإِزَالَةِ الْمُرَادِ انْتَهَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ مَانِعٌ عَنِ الرُّؤْيَةِ فَكَأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْفَوْزُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَكَأَنَّ المُرَاد ان الْمُؤمنِينَ إِذا تبوؤا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْلَا مَا عِنْدَهُمْ مِنْ هَيْبَةِ ذِي الْجَلَالِ لَمَا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ حَائِلٌ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَهُمْ حَفَّهُمْ بِرَأْفَتِهِ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَقْوِيَتِهِمْ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْحِجَابُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَكْشِفُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ قَالَ فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الرِّدَاءُ اسْتِعَارَةٌ كَنَّى بِهَا عَنِ الْعَظَمَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثِّيَابَ الْمَحْسُوسَةَ لَكِنَّ الْمُنَاسَبَةَ ان الرِّدَاء