(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالروح إِلَيْهِ وَقَوله تَعَالَى إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب)
وَقَالَ أَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء عَن بن عَبَّاسٍ بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ يُقَالُ ذِي الْمَعَارِجِ الْمَلَائِكَةُ تَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فَأَشَارَ إِلَى مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِهَا فِي الْكَلَامِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالْمَعَارِجُ مِنْ نَعْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَفَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَعْرُجُ إِلَيْهِ وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْله ذِي المعارج أَيِ الْفَوَاضِلِ الْعَالِيَةِ وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فَأَشَارَ إِلَى تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ لَهَا فِي الْأَثَرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ رِوَايَةِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهَا الْكَلِمَ الطَّيِّبَ ذِكْرُ اللَّهِ وَالْعَمَل الصَّالِحُ أَدَاءُ فَرَائِضِ اللَّهِ فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ رَدَّ كَلَامَهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ أَيْ يُتَقَبَّلُ الْكَلَامُ الطَّيِّبُ إِذَا كَانَ مَعَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ فَمَضَى مَوْصُولًا فِي بَابِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ وَسَاقَهُ هُنَاكَ بِطُولِهِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ لِأَخِيهِ اعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ ثَمَّةَ قَالَ الرَّاغِبُ الْعُرُوجُ ذَهَابٌ فِي صُعُودٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْقَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَارِعِ الْمَعَارِجُ جَمْعُ مَعْرَجٍ بِفَتْحَتَيْنِ كَالْمَصَاعِدِ جَمْعُ مَصْعَدٍ وَالْعُرُوجُ الِارْتِقَاءُ يُقَالُ عَرَجَ بِفَتْحِ الرَّاءِ يَعْرُجُ بِضَمِّهَا عُرُوجًا وَمَعْرَجًا وَالْمِعْرَجُ الْمَصْعَدُ وَالطَّرِيقُ الَّتِي تَعْرُجُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ وَالْمِعْرَاجُ شَبِيهُ السُّلَّمِ أَوْ دَرَجٌ تَعْرُجُ فِيهِ الْأَرْوَاحُ إِذَا قُبِضَتْ وَحَيْثُ تصعد أَعمال بني آدم وَقَالَ بن دُرَيْد هُوَ الَّذِي يعاينه الْمَرِيضُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَشْخَصُ فِيمَا زَعَمَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَيُقَالُ إِنَّهُ بَالِغٌ فِي الْحُسْنِ بِحَيْثُ إِنَّ النَّفْسَ إِذَا رَأَتْهُ لَا تَتَمَالَكُ أَنْ تَخْرُجَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ صُعُودُ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ وَالصَّدَقَةِ الطَّيِّبَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَبُولِ وَعُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ هُوَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي السَّمَاءِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنَ التَّعْبِيرِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إِلَى اللَّهِ فَهُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنِ السَّلَفِ فِي التَّفْوِيضِ وَعَنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ فِي التَّأْوِيلِ وَقَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ الْمُجَسِّمَةِ فِي تَعَلُّقِهَا بِهَذِهِ الظَّوَاهِرِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَكَانٍ يَسْتَقِرُّ فِيهِ فَقَدْ كَانَ وَلَا مَكَانَ وَإِنَّمَا أَضَافَ الْمَعَارِجَ إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَمَعْنَى الِارْتِفَاعِ إِلَيْهِ اعْتِلَاؤُهُ مَعَ تَنْزِيهِهِ عَنِ الْمَكَانِ انْتَهَى وَخَلْطُهُ الْمُجَسِّمَةَ بِالْجَهْمِيَّةِ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُسْمَعُ ثُمَّ ذَكَرَ