أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَمَّا قَبْلُ ذَلِكَ فَفِي الْأَوَّلِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا الِاعْتِدَالُ وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ الْمُرَادُ بِالظَّنِّ هُنَا الْعِلْمُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ قِيلَ مَعْنَى ظَنِّ عَبْدِي بِي ظَنُّ الْإِجَابَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَظَنُّ الْقَبُولِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَظَنُّ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ وَظَنُّ الْمُجَازَاةِ عِنْدَ فِعْلِ الْعِبَادَةِ بِشُرُوطِهَا تَمَسُّكًا بصادق وعده قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ قَالَ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَإِنِ اعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ فَهَذَا هُوَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وُكِلَ إِلَى مَا ظَنَّ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ قَالَ وَأَمَّا ظَنُّ الْمَغْفِرَةِ مَعَ الْإِصْرَارِ فَذَلِكَ مَحْضُ الْجَهْلِ وَالْغِرَّةُ وَهُوَ يَجُرُّ إِلَى مَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ قَوْلُهُ وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي أَيْ بِعِلْمِي وَهُوَ كَقَوْلِهِ إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى وَالْمَعِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ أَخَصُّ مِنَ الْمَعِيَّةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابعهم إِلَى قَوْله الا هُوَ مَعَهم اينما كَانُوا وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ مَعْنَاهُ فَأَنَا مَعَهُ حَسَبَ مَا قَصَدَ مِنْ ذِكْرِهِ لِي قَالَ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ أَوْ بِالْقَلْبِ فَقَطْ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ قَالَ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ أَنَّ الذِّكْرَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَقْطُوعٌ لِصَاحِبِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْخَبَرُ وَالثَّانِي عَلَى خَطَرٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذرة خيرا يره وَالثَّانِي مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا لَكِنْ إِنْ كَانَ فِي حَالِ الْمَعْصِيَةِ يَذْكُرُ اللَّهَ بِخَوْفٍ وَوَجَلٍ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ قَوْلُهُ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي أَيْ إِنْ ذَكَرَنِي بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ سِرًّا ذَكَرْتُهُ بالثواب وَالرَّحْمَة سرا وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى اذكروني أذكركم وَمَعْنَاهُ اذْكُرُونِي بِالتَّعْظِيمِ أَذْكُرْكُمْ بِالْإِنْعَامِ وَقَالَ تَعَالَى وَلذكر الله أكبر أَيْ أَكْبَرُ الْعِبَادَاتِ فَمَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ خَائِفٌ آمَنَهُ أَوْ مُسْتَوْحِشٌ آنَسَهُ قَالَ تَعَالَى أَلَا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب قَوْلُهُ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ مَهْمُوزٌ أَيْ جَمَاعَةٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الذِّكْرَ الْخَفِيَّ أَفْضَلُ مِنَ الذِّكْرِ الْجَهْرِيِّ وَالتَّقْدِيرُ إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ بِثَوَابٍ لَا أُطْلِعُ عَلَيْهِ أَحَدًا وَإِنْ ذَكَرَنِي جَهْرًا ذَكَرْتُهُ بِثَوَابٍ أُطْلِعُ عَلَيْهِ الْمَلَأَ الْأَعْلَى وَقَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَى ذَلِكَ شَوَاهِدُ مِنَ الْقُرْآنِ مِثْلُ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين وَالْخَالِدُ أَفْضَلُ مِنَ الْفَانِي فَالْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ صَالِحِي بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ وَالَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ الْفَلَاسِفَةُ ثُمَّ الْمُعْتَزِلَةُ وَقَلِيلٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَمِنْهُمْ مَنْ فَاضَلَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَقَالُوا حَقِيقَةُ الْمَلَكِ أَفْضَلُ مِنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهَا نُورَانِيَّةٌ وَخَيِّرَةٌ وَلَطِيفَةٌ مَعَ سَعَةِ الْعِلْمِ وَالْقُوَّةِ وَصَفَاءِ الْجَوْهَرِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَ كُلِّ فَرْدٍ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْأَنَاسِيِّ مَا فِي ذَلِكَ وَزِيَادَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْخِلَافَ بِصَالِحِي الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَلَّهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا إِلَّا عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَدِلَّةِ تَفْضِيلِ النَّبِيِّ عَلَى الْمَلَكِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرِيمِ لَهُ حَتَّى قَالَ إِبْلِيسُ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى لما خلقت بيَدي لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى الْعِنَايَةِ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ وَمِنْهَا قَوْلَهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآل عمرَان على الْعَالمين وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض فَدخل فِي