وَإِفَاضَةِ الرِّزْقِ حَادِثَةً لَا يَتَنَافَيَانِ لِأَنَّ الْحَادِثَ هُوَ التَّعَلُّقُ وَكَوْنُهُ رَزَقَ الْمَخْلُوقَ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّغَيُّرَ فِيهِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ فِي التَّعَلُّقِ فَإِنَّ قُدْرَتَهُ لَمْ تَكُنْ مُتَعَلِّقَةً بِإِعْطَاءِ الرِّزْقِ بَلْ بِكَوْنِهِ سَيَقَعُ ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَغَيَّرَ الصِّفَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمِنْ ثَمَّ نَشَأَ الِاخْتِلَافُ هَلِ الْقُدْرَةُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَمَنْ نَظَرَ فِي الْقُدْرَةِ إِلَى الِاقْتِدَارِ عَلَى إِيجَادِ الرِّزْقِ قَالَ هِيَ صِفَةُ ذَاتٍ قَدِيمَةٌ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ قَالَ هِيَ صِفَةُ فِعْلٍ حَادِثَةٌ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ فِي الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ بِخِلَافِ الذَّاتِيَّةِ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَصْبَرُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الصَّبْرِ وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الصَّبُورُ وَمَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُعَاجِلُ الْعُصَاةَ بِالْعُقُوبَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْحَلِيمِ وَالْحَلِيمُ أَبْلَغُ فِي السَّلَامَةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى أَذَى رُسُلِهِ وَصَالِحِي عِبَادِهِ لِاسْتِحَالَةِ تَعَلُّقِ أَذَى الْمَخْلُوقِينَ بِهِ لِكَوْنِهِ صِفَةَ نَقْصٍ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَلَا يُؤَخِّرُ النِّقْمَةَ قَهْرًا بَلْ تَفَضُّلًا وَتَكْذِيبُ الرُّسُلِ فِي نَفْيِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ عَنِ اللَّهِ أَذًى لَهُمْ فَأُضِيفَ الْأَذَى لِلَّهِ تَعَالَى لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِعْظَامِ لِمَقَالَتِهِمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُوله لعنهم الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّ مَعْنَاهُ يُؤْذُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَأَوْلِيَاءَ رَسُولِهِ فأقيم الْمُضَاف مقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ قَالَ بن الْمُنِيرِ وَجْهُ مُطَابَقَةِ الْآيَةِ لِلْحَدِيثِ اشْتِمَالُهُ عَلَى صِفَتَيِ الرِّزْقِ وَالْقُوَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقُدْرَةِ أَمَّا الرِّزْقُ فَوَاضِحٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرْزُقُهُمْ وَأَمَّا الْقُوَّةُ فَمِنْ قَوْلِهِ أَصْبَرُ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ مَعَ إِسَاءَتِهِمْ بِخِلَافِ طَبْعِ الْبَشَرِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُسِيءِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ تَكَلُّفِهِ ذَلِكَ شَرْعًا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ خَوْفَ الْفَوْتِ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْمُكَافَأَةِ بِالْعُقُوبَةِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ حَالًا وَمَآلًا لَا يعجزه شَيْء وَلَا يفوتهُ

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أحدا)

وان الله عِنْده علم السَّاعَة وانزله بِعِلْمِهِ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ الا بِعِلْمِهِ إِلَيْهِ يرد علم السَّاعَة أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي آخِرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015