الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ النَّظَرَ لَمْ يُنْكِرْ أَصْلَ النَّظَرِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ تَوَقُّفَ الْإِيمَانِ عَلَى وُجُودِ النَّظَرِ بِالطُّرُقِ الْكَلَامِيَّةِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي النَّظَرِ جَعْلُهُ شَرْطًا وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ إِذْ لَوْ أَفَادَهُ لَكَانَ الْعِلْمُ حَاصِلًا لِمَنْ قَلَّدَ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَلِمَنْ قَلَّدَ فِي حُدُوثِهِ وَهُوَ مُحَالٌ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي تَقْلِيدِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا تَقْلِيدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ فَلَا يَتَنَاقَضُ أَصْلًا وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ عَنِ اكْتِفَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ بِإِسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَعْرَابِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِضَرُورَةِ الْمَبَادِئِ وَأَمَّا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِسْلَامِ وَشُهْرَتِهِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَدِلَّةِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الِاعْتِذَارِ وَالْعَجَبُ أَنَّ مَنِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يُنْكِرُونَ التَّقْلِيدَ وَهُمْ أَوَّلُ دَاعٍ إِلَيْهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي الْأَذْهَانِ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ قَاعِدَةً مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي أَصَّلُوهَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهَا وَلَمْ يَعْرِفْ مَأْخَذَهَا وَهَذَا هُوَ مَحْضُ التَّقْلِيدِ فَآلَ أَمْرُهُمْ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَلَّدَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقَوْلِ بِإِيمَانِ مَنْ قَلَّدَهُمْ وَكَفَى بِهَذَا ضَلَالًا وَمَا مِثْلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّهُمْ كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا سَفْرًا فَوَقَعُوا فِي فَلَاةٍ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقُومُ بِهِ الْبَدَنُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَرَأَوْا فِيهَا طُرُقًا شَتَّى فَانْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ فَقِسْمٌ وَجَدُوا مَنْ قَالَ لَهُمْ أَنَا عَارِفٌ بِهَذِهِ الطُّرُقِ وَطَرِيقُ النَّجَاةِ مِنْهَا وَاحِدَةٌ فَاتَّبِعُونِي فِيهَا تَنْجُوا فَتَبِعُوهُ فَنَجَوْا وَتَخَلَّفَتْ عَنْهُ طَائِفَةٌ فَأَقَامُوا إِلَى أَنْ وَقَفُوا عَلَى أَمَارَةٍ ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّ فِي الْعَمَلِ بِهَا النَّجَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا فَنَجَوْا وَقِسْمٌ هَجَمُوا بِغَيْرِ مُرْشِدٍ وَلَا أَمَارَةٍ فَهَلَكُوا فَلَيْسَتْ نَجَاةُ مَنِ اتَّبَعَ الْمُرْشِدَ بِدُونِ نَجَاةِ مَنْ أَخَذَ بِالْأَمَارَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَوْلَى مِنْهَا وَنَقَلْتُ مِنْ جُزْءِ الْحَافِظِ صَلَاحِ الدِّينِ الْعَلَائِيِّ يُمْكِنُ أَنْ يفصل فَيُقَال من لَا لَهُ اهلية لِفَهْمِ شَيْءٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَصْلًا وَحَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ التَّامُّ بِالْمَطْلُوبِ إِمَّا بِنَشْأَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لِنُورٍ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ وَمَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِفَهْمِ الْأَدِلَّةِ لَمْ يُكْتَفَ مِنْهُ إِلَّا بِالْإِيمَانِ عَنْ دَلِيلٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَدَلِيلُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسْبِهِ وَتَكْفِي الْأَدِلَّةُ الْمُجْمَلَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بِأَدْنَى نَظَرٍ وَمَنْ حَصَلَتْ عِنْدَهُ شُبْهَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ إِلَى أَنْ تَزُولَ عَنْهُ قَالَ فَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِ الطَّائِفَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَأَمَّا مَنْ غَلَا فَقَالَ لَا يَكْفِي إِيمَانُ الْمُقَلِّدِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إِيمَانِ أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا مَنْ غَلَا أَيْضًا فَقَالَ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِي الْأَدِلَّةِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ أَنَّ أَكَابِرَ السَّلَفِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ بِحَقِيقَةِ كُنْهِهِ مُمْكِنَةً لِلْبَشَرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِمَا عَرَّفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ وُجُودِهِ وَصِفَاتِهِ اللَّائِقَةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مَثَلًا وَتَنْزِيهِهِ عَنْ كُلِّ نَقِيصَةٍ كَالْحُدُوثِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٌ لِلْبَشَرِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يحيطون بِهِ علما فَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ وَاضِحًا مَعَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَطَقَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَرُوَاةَ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتَلَفُوا هَلْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يَقُلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِلَفْظٍ مِنْهَا وَمَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْأَكْثَرَ رَوَوْهُ بِلَفْظِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ فَادْعُهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ وَوجه الْجمع بَينهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ التَّوْحِيدُ وَالْمُرَادُ بِالتَّوْحِيدِ الْإِقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ أَيْ عَرَفُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ الْإِقْرَارُ وَالطَّوَاعِيَةُ فَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس من الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ الِاقْتِصَارُ فِي الْحُكْمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015