لَكِنْ جَوَابُ الْمَلَكَيْنِ تَفْصِيلٌ لِتِلْكَ الرُّؤْيَا الْمُتَعَدِّدَةِ الْمُبْهَمَةِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ كَلِمَةِ التَّفْصِيلِ أَوْ تَقْدِيرِهَا فَالْفَاءُ جَوَابُ أَمَّا ثُمَّ قَالَ وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَأَوْلَادُ النَّاسِ جَازَ دُخُولُهَا عَلَى الْخَبَرِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَدْخُولِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ أَمَّا الرَّجُلُ وَقَدْ تُحْذَفُ الْفَاءُ فِي بَعْضِ الْمَحْذُوفَاتِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ أَمَّا لَمَّا حُذِفَتْ حُذِفَ مُقْتَضَاهَا وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَوْلُهُ تُحْمَلُ بِالتَّخْفِيفِ لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالتَّشْدِيدِ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ التَّعْذِيبَ لِمَا يَنْشَأُ عَنْ تِلْكَ الْكِذْبَةِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَهُوَ فِيهَا مُخْتَارٌ غير مكره وَلَا ملْجأ قَالَ بن هُبَيْرَةَ لَمَّا كَانَ الْكَاذِبُ يُسَاعِدُ أَنْفُهُ وَعَيْنُهُ لِسَانَهُ عَلَى الْكَذِبِ بِتَرْوِيجِ بَاطِلِهِ وَقَعَتِ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْعُقُوبَةِ قَوْلُهُ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي النَّقْبِ قَوْلُهُ فَهُمُ الزُّنَاةُ مُنَاسَبَةُ الْعُرْيِ لَهُمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْ يُفْضَحُوا لِأَنَّ عَادَتَهُمْ أَنْ يَسْتَتِرُوا فِي الْخَلْوَةِ فَعُوقِبُوا بِالْهَتْكِ وَالْحِكْمَةُ فِي إِتْيَانِ الْعَذَابِ مِنْ تَحْتِهِمْ كَوْنُ جِنَايَتِهِمْ مِنْ أَعْضَائِهِمُ السُّفْلى قَوْله فَإِنَّهُ آكل الرِّبَا قَالَ بن هُبَيْرَةَ إِنَّمَا عُوقِبَ آكِلُ الرِّبَا بِسِبَاحَتِهِ فِي النَّهَرِ الْأَحْمَرِ وَإِلْقَامِهِ الْحِجَارَةَ لِأَنَّ أَصْلَ الرِّبَا يَجْرِي فِي الذَّهَبِ وَالذَّهَبُ أَحْمَرُ وَأَمَّا إِلْقَامُ الْمَلَكِ لَهُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ الرِّبَا فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَتَخَيَّلُ أَنَّ مَالَهُ يَزْدَادُ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِ مَحَقَهُ قَوْلُهُ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عِنْدَهُ النَّارُ قَوْلُهُ خَازِنُ جَهَنَّمَ إِنَّمَا كَانَ كَرِيهَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً فِي عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ قَوْلُهُ وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ وَإِنَّمَا اخْتُصَّ إِبْرَاهِيمُ لِأَنَّهُ أَبُو الْمُسْلِمِينَ قَالَ تَعَالَى مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم وَقَالَ تَعَالَى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الْآيَةَ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ فِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَهِيَ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فَأَوْلَادُ النَّاسِ لَمْ أَرَ ذَلِكَ إِلَّا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الَّذِي نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَإِذَا نَحْنُ بِجِوَارٍ وَغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ بَيْنَ نَهَرَيْنِ فَقُلْتُ مَا هَؤُلَاءِ قَالَ ذُرِّيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ قَوْلُهُ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْحَقَهُمْ بِأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ وَلَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الدُّنْيَا قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرًا مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرًا مِنْهُمْ قَبِيحٌ كَذَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِنَصْبِ شَطْرًا وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ شَطْرٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالرَّفْعِ وَحَسَنًا وَقَبِيحًا بِالنَّصْبِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ وَلِلنَّسَفِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بِالرَّفْعِ فِي الْجَمِيعِ وَعَلَيْهِ اقْتصر الْحميدِي فِي جمعه وَكَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَامَّةٌ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَزَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي رِوَايَتِهِ وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارَ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذِهِ الدَّارُ دَارُ الشُّهَدَاءِ وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَإِذَا نَحْنُ بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ أَقْبَحُ شَيْءٍ مَنْظَرًا وَأَنْتَنُهُ رِيحًا كَأَنَّمَا رِيحُهُمُ الْمَرَاحِيضُ قُلْتُ مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الزَّوَانِي وَالزُّنَاةُ ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَإِذَا نَحْنُ بِمَوْتَى أَشَدُّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا وَأَنْتَنُهُ رِيحًا قُلْتُ مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ مَوْتَى الْكُفَّارِ ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَإِذَا نَحْنُ بِرِجَالٍ نِيَامٍ تَحْتَ ظِلَالِ الشَّجَرِ قُلْتُ مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَإِذَا نَحْنُ بِرِجَالٍ أَحْسَنُ شَيْءٍ وَجْهًا وَأَطْيَبُهُ رِيحًا قُلْتُ مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ الْحَدِيثَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ الْإِسْرَاءَ وَقَعَ مِرَارًا يَقَظَةً وَمَنَامًا عَلَى أَنْحَاءٍ شَتَّى وَفِيهِ أَنَّ بَعْضَ الْعُصَاةِ يُعَذَّبُونَ فِي الْبَرْزَخِ وَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ تَلْخِيصِ الْعِلْمِ وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ الْقَضَايَا جُمْلَةً ثُمَّ يُفَسِّرَهَا عَلَى الْوَلَاءِ لِيَجْتَمِعَ تَصَوُّرُهَا فِي الذِّهْنِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَعَنْ رَفْضِ الْقُرْآنِ