وَاحِدَةٌ وَالرَّجُلُ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ لِوَكِيلِهِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلِنَفْسِهِ فَتَحِلُّ لَهُ وَصُورَةُ الْعَقْدِ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ صُورَةُ الْقَرْضِ فِي الذِّمَّةِ وَبَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ إِلَى أَجَلٍ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ الْأَوَّلُ قُرْبَةٌ صَحِيحَةٌ وَالثَّانِي مَعْصِيَةٌ بَاطِلَةٌ وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّنْ يَتَعَاطَى الْحِيلَةَ الْبَاطِلَةَ فِي الْبَاطِنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ نَقَلَ النَّسَفِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي الْكَافِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ الْفِرَارُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ بِالْحِيَلِ الموصلة إِلَى إبِْطَال الْحق
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُضَادُّهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَدَثَ فِي أَثْنَائِهَا مُفْسِدٌ لَهَا فَهُوَ كَالْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ لَوْ طَرَأَ فِي خِلَالِهِ لَأَفْسَدَهُ وَكَذَا فِي آخِره وَقَالَ بن حَزْمٍ فِي أَجْوِبَةٍ لَهُ عَنْ مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ طَاهِرًا مُتَيَقِّنًا لِلطَّهَارَةِ أَوْ مُحْدِثًا مُتَيَقِّنًا لِلْحَدَثِ وَعَلَى الْحَالَيْنِ لَيْسَ لأحد أَن يدْخل فِي الْحَقِيقَة حِيلَة بِأَن الْحَقِيقَةَ إِثْبَاتُ الشَّيْءِ صِدْقًا أَوْ نَفْيُهُ صِدْقًا فَمَا كَانَ ثَابِتًا حَقِيقَةً فَنَافِيهِ بِحِيلَةٍ مُبْطِلٌ وَمَا كَانَ مُنْتَفِيًا فَمُثْبِتُهُ بِالْحِيلَةِ مُبْطِلٌ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَحْدَثَ عَمْدًا فِي أَثْنَاءِ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ وَيَكُونُ حَدَثُهُ كَسَلَامِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْحِيَلِ لِتَصْحِيحِ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ بَنَى عَلَى أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنَ الصَّلَاةِ رُكْنٌ مِنْهَا فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهَا تَصِحُّ يَرَى أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنَ الصَّلَاةِ ضِدُّهَا فَتَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ كَوْنِ السَّلَامِ رُكْنًا دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ لَا ضِدًّا لَهَا وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِرُكْنِيَّتِهِ بِمُقَابَلَتِهِ بِالتَّحْرِيمِ لِحَدِيثِ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ رُكْنًا كَانَ الطَّرَفُ الْآخَرُ رُكْنًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السَّلَامَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَاءٌ لِعِبَادِهِ فَلَا يَقُومُ الْحَدَثُ الْفَاحِشُ مَقَامَ الذِّكْرِ الْحَسَنِ وَانْفَصَلَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ السَّلَامَ وَاجِبٌ لَا رُكْنٌ فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ فَالْعَمْدُ قَاطِعٌ وَإِذَا وُجِدَ الْقَطْعُ انْتَهَتِ الصَّلَاةُ لِكَوْنِ السَّلَام لَيْسَ ركنا وَقَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْمُحْدِثَ فِي صَلَاتِهِ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَوَافَقَهُ بن أَبِي لَيْلَى وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَاحْتَجَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ فَلَا يَخْلُو حَالُ انْصِرَافِهِ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرِ مُصَلٍّ فَإِنْ قَالُوا هُوَ مُصَلٍّ رُدَّ لِقَوْلُهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ كُلَّ حَدَثٍ مَنَعَ مِنِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ مَنَعَ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَبَقَهُ الْمَنِيُّ لاستأنف اتِّفَاقًا قلت وَللشَّافِعِيّ قَول وَافق فِيهِ أَبَا حَنِيفَةَ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَجْهُ أَخْذِهِ مِنَ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُمْ حَكَمُوا بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ حَيْثُ قَالُوا يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَحَيْثُ حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِعِلَّةِ أَنَّ الْوضُوء لَيْسَ بِعبَادة وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مُنَاسَبَةَ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُخَادِعُ النَّاسَ بِصَلَاتِهِ فَهُوَ مُبْطِلٌ كَمَا خَدَعَ مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ بِهِجْرَتِهِ وَخَادَعَ اللَّهَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمِيرِهِ قُلْت وَقِصَّةُ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ إِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ فِي