وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان قَالَ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ فَعَلَيْهِ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ بِلِسَانِهِ وَخَالَفَهُ قَلْبُهُ بِالْإِيمَانِ لِيَنْجُوَ بِذَلِكَ من عدوه فَلَا حرج عَلَيْهِ أَن اللَّهُ إِنَّمَا يَأْخُذُ الْعِبَادَ بِمَا عُقِدَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُهُمْ قُلْتُ وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُقَدَّمٌ مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ كَأَنَّهُ قِيلَ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ وَقَدْ يَكُونُ بِاعْتِقَادٍ فَاسْتَثْنَى الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُكْرَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَهِيَ تَقِيَّةٌ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ تُقَاةً وَتَقِيَّةً وَاحِدٌ قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ وَمَعْنَى الْآيَةِ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلِيًّا فِي الْبَاطِنِ وَلَا فِي الظَّاهِرِ إِلَّا لِلتَّقِيَّةِ فِي الظَّاهِرِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَهُ إِذَا خَافَهُ وَيُعَادِيَهُ بَاطِنًا قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْخِطَابِ أَنَّ مُوَالَاةَ الْكُفَّارِ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَقْبَحَةً لَمْ يُوَاجِهِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخِطَابِ قُلْتُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم كَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِعُمُومِهِ حَتَّى أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رُخْصَةً فِي ذَلِكَ وَهُوَ كَالْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَقَالَ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ عَفُوًّا غَفُورًا وَقَالَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا هَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ صَوَابٌ وَإِنَّمَا أَوْرَدْتُهُ بِلَفْظِهِ لِلْتَنْبِيهِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ عِنْدَ الشُّرَّاحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَة والأصيلي والقابسي أَن الَّذين تَوَفَّاهُم فَسَاقَ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْأَرْضِ وَقَالَ بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا وَفِيهِ تَغْيِيرٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُم الْآيَات قَالَ ومالكم لَا تقاتلون فِي سَبِيل الله إِلَى قَوْلِهِ نَصِيرًا وَهُوَ صَوَابٌ وَإِنْ كَانَتِ الْآيَاتُ الْأُولَى مُتَرَاخِيَةً فِي السُّورَةِ عَنِ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ التَّغْيِيرِ وَإِنَّمَا صَدَّرَ بِالْآيَاتِ الْمُتَرَاخِيَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ آمَنُوا فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَإِنَّا لَا نَرَاكُمْ مِنَّا إِلَّا أَنْ هَاجَرْتُمْ فَخَرَجُوا فَأَدْرَكَهُمْ أَهْلُهُمْ بِالطَّرِيقِ فَفَتَنُوهُمْ حَتَّى كَفَرُوا مكرهين وأقتصر بن بَطَّالٍ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ وَعَزَاهُ لِلْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إِلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَقَالَ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ إِلَى الظَّالِمِ أَهْلُهَا قُلْتُ وَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ مِنَ التِّلَاوَةِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ تَصَرُّفًا فِيمَا سَاقه المُصَنّف وَقَالَ بن التِّينِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى قِصَّةِ عَمَّارٍ إِلَى أَنْ قَالَ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدرا أَيْ مَنْ فَتَحَ صَدْرَهُ لِقَبُولِهِ وَقَوْلُهُ الَّذِينَ تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة إِلَى قَوْلِهِ وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا لَيْسَ التِّلَاوَة كَذَلِك لِأَن قَوْله اجْعَل لنا من لَدُنْك نَصِيرًا قَبْلَ هَذَا قَالَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إِلَى قَوْله غَفُورًا رحِيما وَفِي بَعْضِهَا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُم وَقَالَ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال إِلَى قَوْله من لَدُنْك نَصِيرًا وَهَذَا عَلَى نَسَقِ التَّنْزِيلِ كَذَا قَالَ فَأَخْطَأَ فَالْآيَةُ الَّتِي آخِرُهَا نَصِيرًا فِي أَوَّلِهَا وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِالْوَاوِ لَا بِلَفْظِ إِلَّا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ بعض النّسخ إِلَى قَوْله غَفُورًا رحِيما مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ آخِرَ الْآيَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا إِنَّ الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة قَوْله وَسَاءَتْ مصيرا وَآخِرُ الَّتِي بَعْدَهَا سَبِيلًا وَآخِرُ الَّتِي بَعْدَهَا عفوا غَفُورًا وَآخِرُ الَّتِي بَعْدَهَا غَفُورًا رَحِيمًا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ سِيَاقَ أَرْبَعِ آيَاتٍ قَوْلُهُ فَعَذَرَ اللَّهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ يَعْنِي إِلَّا إِذَا غُلِبُوا قَالَ وَالْمُكْرَهُ لَا يَكُونُ