ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى فِي قِصَّةِ سُؤَالِهِمُ الْحُمْلَانَ وَفِيهِ إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا وَقَدْ مَضَى فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ بِلَفْظِ إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ سُؤَالِ الْإِمَارَةِ وَفِيهِ وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ قَالَ بن الْمُنْذِرِ رَأْيُ رَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَهْلِ الرَّأْيِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُجْزِئُ قَبْلَ الْحِنْثِ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَثْنَى الصِّيَامَ فَقَالَ لَا يُجْزِئُ إِلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ قُلْتُ وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ رِوَايَتَيْنِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ الصَّدَقَةَ وَالْعِتْقَ وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّةَ أَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَخَالفهُ بن حَزْمٍ وَاحْتَجَّ لَهُمُ الطَّحَاوِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ فَإِذًا الْمُرَادُ إِذَا حَلَفْتُمْ فَحَنِثْتُمْ وَرَدَّهُ مُخَالِفُوهُ فَقَالُوا بَلِ التَّقْدِيرُ فَأَرَدْتُمُ الْحِنْثَ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ أَحَدُ التَّقْدِيرَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ وَرَدَّهُ مَنْ أَجَازَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ لَمْ تَسْقُطْ عَمَّنْ لَمْ يَحْنَثِ اتِّفَاقًا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ فَرْضٌ وَإِخْرَاجُهَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ فَلَا يَقُومُ التَّطَوُّعُ مَقَامَ الْفَرْضِ وَانْفَصَلَ عَنْهُ مَنْ أَجَازَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ إِرَادَةُ الْحِنْثِ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ كَمَا فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَقَالَ عِيَاضٌ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِالْحِنْثِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ الْحِنْثِ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ تَأْخِيرَهَا بَعْدَ الْحِنْثِ قَالَ عِيَاضٌ وَمَنَعَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ حِنْثِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ فِيهِ إِعَانَة على الْمعْصِيَة ورده الْجُمْهُور قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَاحْتُجَّ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ أَلْفَاظِ حَدِيثَيْ أَبِي مُوسَى وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَإِنَّمَا أَمَرَ الْحَالِفَ بِأَمْرَيْنِ فَإِذَا أَتَى بِهِمَا جَمِيعًا فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ الْخَبَرُ عَلَى الْمَنْعِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا طَرِيقُ النَّظَرِ فَاحْتُجَّ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ لَمَّا كَانَ يَحُلُّهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ كَلَامٌ فَلَأَنْ تَحُلَّهُ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ فِعْلٌ مَالِيٌّ أَوْ بَدَنِيٌّ أَوْلَى وَيُرَجَّحُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا بِالْكَثْرَةِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ عِدَّةَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَتَبِعَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنَ الْحَرَمِ إِلَى الْحِلِّ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتْ فِي يَدِهِ هِيَ وَأَوْلَادُهَا أَنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَهَا وَجَزَاءَ أَوْلَادِهَا لَكِنْ إِنْ كَانَ حِينَ إِخْرَاجِهَا أَدَّى جَزَاءَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي أَوْلَادِهَا شَيْءٌ مَعَ أَنَّ الْجَزَاءَ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَنْهَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ أَوْلَادَهَا فَيُحْتَاجُ إِلَى الْفَرْقِ بَلِ الْجَوَاز فِي كَفَّارَة الْيَمين أولى وَقَالَ بن حَزْمٍ أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَقْدِيمَ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَأَجَازُوا تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَاحْتُجَّ لِلشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الصِّيَامَ مِنْ حُقُوقِ الْأَبَدَانِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ فَإِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا كَالزَّكَاةِ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ إِنْ كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ قَبْلَ الْحِنْثِ رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ واما الصو م فَلَا لِأَنَّ حُقُوقَ الْمَالِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا لَا تُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَكَذَا لَوْ حَجَّ الصَّغِيرُ وَالْعَبْدُ لَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا إِذَا بَلَغَ أَوْ عَتَقَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنْ حَلَفَ فَأَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يُكَفِّرَ حَتَّى يَحْنَثَ فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ أَجْزَأَ وَسَاقَ نَحْوَهُ مَبْسُوطًا وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ إِلْحَاقَ الْكَفَّارَةِ بِالْكَفَّارَةِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِ الْإِطْعَامِ بِالزَّكَاةِ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ وَأَيْضًا فَالْفَرْقُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ حَقِّ الْمَالِ وَحَقِّ الْبَدَنِ ظَاهِرٌ جِدًّا وَإِنَّمَا خَصَّ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ الصِّيَامَ بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ