مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِاللَّهِ أَكْبَرُ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ الْجَهْدَ أَكْبَرُ الْمَشَقَّةِ فَفَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ غَايَةُ الْجَهْدِ وَالَّذِي قَالَهُ الرَّاغِبُ أَظْهَرُ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ إِنَّ الْقَسَامَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُقْسَمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثُنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ فِي الرُّؤْيَا قَالَ لَا تُقْسِمْ هَذَا طَرَفٌ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الْآتِي فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ تَعْبِيرُ أَبِي بَكْرٍ لَهَا وَقَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ قَالَ أَصَبْتَ بَعْضًا أَوْ أَخْطَأْتَ بَعْضًا قَالَ فَوَاللَّهِ إِلَخْ فَقَوْلُهُ هُنَا فِي الرُّؤْيَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إِشَارَةً إِلَى مَا اخْتَصَرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَتَقْدِيرُهُ فِي قِصَّةِ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا الرَّجُلُ وَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَبَّرَهَا أَبُو بَكْرٍ إِلَخْ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ هُنَاكَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ لَا تُقْسِمْ مَوْضِعَ قَوْلِهِ لَا تَحْلِفْ فَأَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ قَالَ أَقْسَمْتُ انْعَقَدَتْ يَمِينًا وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بَدَلَ أَقْسَمْتُ حَلَفْتُ لَمْ تَنْعَقِدِ اتِّفَاقًا إِلَّا إِنْ نَوَى الْيَمِينَ أَوْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ حَلِفٌ وَأَيْضًا فَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ فَلَوْ كَانَ أَقْسَمْتُ يَمِينًا لَأَبَرَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ قَالَهَا وَمِنْ ثَمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ عَقِبَهُ وَلِهَذَا أَوْرَدَ حَدِيثَ حَارِثَةَ آخِرَ الْبَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ يَمِينًا لَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحَقَّ بِأَنْ يَبَرَّ قَسَمَهُ لِأَنَّهُ رَأْسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فَالظَّاهِر انها اقسمت حَقِيقَة فقدتقدم فِي الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا وَاللَّهُ اعْلَم قَالَ بن الْمُنْذِرِ اخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ أَوْ أَقْسَمْتُ مُجَرَّدَةً فَقَالَ قَوْمٌ هِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يقْصد وَمِمَّنْ روى ذَلِك عَنهُ بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا تَكُونُ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَقَالَ مَالك اقسمت بِاللَّه يَمِين وَأَقْسَمْتُ مُجَرَّدَةً لَا تَكُونُ يَمِينًا إِلَّا إِنْ نَوَى وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ الْمُجَرَّدَةُ لَا تَكُونُ يَمِينًا أَصْلًا وَلَوْ نَوَى وَأَقْسَمْتُ بِاللَّهِ إِنْ نَوَى تَكُونُ يَمِينًا وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا تَكُونُ يَمِينًا أَصْلًا وَعَنْ أَحْمَدَ كَالْأَوَّلِ وَعَنْهُ كَالثَّانِي وَعَنْهُ إِنْ قَالَ قَسَمًا بِاللَّهِ فَيَمِينٌ جَزْمًا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ قَسَمًا وَكَذَا لَوْ قَالَ الية بِاللَّه قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ مَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ الرَّدُّ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الْقَسَمَ بِصِيغَةِ أَقْسَمْتُ يَمِينًا قَالَ فَذَكَرَ الْآيَةَ وَقَدْ قَرَنَ فِيهَا الْقَسَمَ بِاللَّهِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الِاقْتِرَانَ لَيْسَ شَرْطًا بِالْأَحَادِيثِ فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ بِمُجَرَّدِهَا تَكُونُ يَمِينًا تَتَّصِفُ بِالْبِرِّ وَبِالنَّدْبِ إِلَى ابرارها من غير الْحَالِف ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ قَالَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ فَقَالَ نَعَمْ هَلْ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ بِقَوْلِهِ نَعَمْ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ انْتَهَى وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ أَنْ يُقَيِّدَ مَا أُطْلِقَ فِي الْأَحَادِيثِ بِمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْآيَةِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ بعدَ هَذا الْحَدِيثِ الْمَعَلَّقِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ

[6654] قَوْلُهُ بِإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ أَيْ بِفِعْلِ مَا أَرَادَهُ الْحَالِفُ لِيَصِيرَ بِذَلِكَ بَارًّا وَهَذَا أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا فِي مَوَاضِعَ بَيَّنْتُهَا وَذَكَرْتُ كَيْفِيَّةَ مَا أَخْرَجَهَا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ السِّينِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِالْكَسْرِ وَضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا أَيِ الْإِقْسَامُ وَالْمَصْدَرُ قَدْ يَأْتِي لِلْمَفْعُولِ مِثْلَ أَدْخَلْتُهُ مُدْخَلًا بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَكَذَا أَخْرَجْتُهُ وَأَشْعَثُ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ هُوَ بن أَبِي الشَّعْثَاءِ وَسُفْيَانُ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى هُوَ الثَّوْريّ ثَانِيهَا حَدِيث أُسَامَة وَهُوَ بن زيد بن حَارِثَة الصَّحَابِيّ بن الصَّحَابِيِّ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو عُثْمَانَ الرَّاوِي عَنْهُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مل النَّهْدِيّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015