إِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا جَاءَنَا بِمَا عَهِدْنَاهُ مِنْهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ مَعْنَى الْخَبَرِ يَأْتِيهِمُ اللَّهُ بِأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صُوَرِ الْمَلَائِكَةِ بِمَا لَمْ يَعْهَدُوا مِثْلَهُ فِي الدُّنْيَا فَيَسْتَعِيذُونَ مِنْ تِلْكَ الْحَالِ وَيَقُولُونَ إِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا أَتَانَا بِمَا نَعْرِفُهُ مِنْ لُطْفِهِ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ أَيْ عَنْ شِدَّةٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ مَقَامٌ هَائِلٌ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِيُمَيِّزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ الْمُنَافِقُونَ مُخْتَلِطِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ ظَانِّينَ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا جَازَ فِي الدُّنْيَا امْتَحَنَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ أَتَاهُمْ بِصُورَةٍ هَائِلَةٍ قَالَتْ لِلْجَمِيعِ أَنَا رَبُّكُمْ فَأَجَابَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِهَذَا قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ يَنْقَلِبُ أَيْ يَزِلُّ فَيُوَافِقُ الْمُنَافِقِينَ قَالَ وَهَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رُسُوخٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا الْحَقَّ وَحَوَّمُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ قُلْتُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهَا فَيَقُولُونَ السَّاقُ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ فَيَصِيرُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا أَيْ يَسْتَوِي فَقَارُ ظَهْرِهِ فَلَا يَنْثَنِي لِلسُّجُودِ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ لَهُ فِي السُّجُودِ أَيْ سَهَّلَ لَهُ وَهَوَّنَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقًا وَاحِدًا كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ لِقَفَاهُ وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ فَيَقُولُونَ إِنِ اعْتَرَفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ قَالَ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ فَيَقَعُونَ سُجُودًا وَتَبْقَى أَصْلَابُ الْمُنَافِقِينَ كَأَنَّهَا صَيَاصِي الْبَقَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ طَبَقًا وَاحِدًا كَأَنَّمَا فِيهَا السَّفَافِيدُ وَهِيَ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءَيْنِ جَمْعُ سَفُّودٍ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُدْخَلُ فِي الشَّاةِ إِذَا أُرِيدَ أَنْ تُشْوَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ بن مَنْدَهْ فَيُوضَعُ الصِّرَاطُ وَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ رَبُّهُمْ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ إِذَا تَعَرَّفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ يَطْلُعُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي فَيَتْبَعُهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ أَيْ يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمْ عِلْمًا قَطْعِيًّا يَعْرِفُونَ بِهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَالَ الْكَلَابَاذِيُّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ عَرَفُوهُ بِأَنْ أَحْدَثَ فِيهِمْ لَطَائِفَ عَرَّفَهُمْ بِهَا نَفْسَهُ وَمَعْنَى كَشْفِ السَّاقِ زَوَالُ الْخَوْفِ وَالْهَوْلِ الَّذِي غَيَّرَهُمْ حَتَّى غَابُوا عَنْ رُؤْيَةِ عَوْرَاتِهِمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سعد ثمَّ نرفع رؤوسنا وَقَدْ عَادَ لَنَا فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَنَقُولُ نَعَمْ أَنْتَ رَبُّنَا وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ فِي أَوَّلِ مَا حُشِرُوا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ غَيْرُ الَّتِي تَقَعُ فِي الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ فَإِنَّ هَذِهِ لِلِامْتِحَانِ وَتِلْكَ لِزِيَادَةِ الْإِكْرَامِ كَمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْحسنى وَزِيَادَة قَالَ وَلَا إِشْكَالَ فِي حُصُولِ الِامْتِحَانِ فِي الْمَوْقِفِ لِأَنَّ آثَارَ التَّكَالِيفِ لَا تَنْقَطِعُ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا حَجَبَ عَنْهُمْ تَحَقُّقَ رُؤْيَتِهِ أَوَّلًا لِمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ رُؤْيَتَهُ فَلَمَّا تَمَيَّزُوا رَفَعَ الْحِجَابَ فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ أَنْتَ رَبُّنَا قُلْتُ وَإِذَا لُوحِظَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إِذَا تَعَرَّفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ وَمَا ذَكَرْتُ مِنْ تَأْوِيلِهِ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَالْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ أَنْ لَا يَقَعَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا يُخَصُّ بِالْأُخْرَى فَإِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ الِابْتِلَاءُ وَالْفِتْنَةُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّكْلِيفَ خَاصٌّ بِالدُّنْيَا وَمَا يَقَعُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْمَوْقِفِ هِيَ آثَارُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُسْلِمِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015