مِنْ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَعْدَهُ يُجِيزُونَ أُمَمَهُمْ قَوْلُهُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغُبَرُ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ غَابِرٍ أَوِ الْغُبَّرَاتُ جَمْعٌ وَغُبَرٌ جَمْعُ غَابِرٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَغْبَارٍ وَغُبْرُ الشَّيْءِ بَقِيَّتُهُ وَجَاءَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ كَانَ يُوَحِّدُ اللَّهَ مِنْهُمْ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فِي مُسلم بالتحتانية بِلَفْظ الَّتِي بِالِاسْتِثْنَاءِ وَجزم عِيَاض وَغَيره بِأَنَّهُ وهم قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَبَرِ مَآلَ الْمَذْكُورِينَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الطَّوَاغِيتِ فِي النَّارِ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مَعَهُمْ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَأَوْرَدَهُمُ النَّار قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَرِيبًا فَتَتْبَعُ الشَّيَاطِينَ وَالصَّلِيبَ أَوْلِيَاؤُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ بِمُهْملَة ثمَّ مُوَحدَة فَيُقَال الْيَهُود مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ذِكْرُ النَّصَارَى وَفِيهِ فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْد بن خُزَيْمَة وبن مَنْدَهْ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ صَنَمًا وَلَا وَثَنًا وَلَا صُورَةً إِلَّا ذَهَبُوا حَتَّى يَتَسَاقَطُوا فِي النَّارِ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيُطْرَحُ مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ وَيُقَالُ هَلِ امْتَلَأْتِ فَتَقُولُ هَلْ من مزِيد الْحَدِيثَ وَكَانَ الْيَهُودُ وَكَذَا النَّصَارَى مِمَّنْ كَانَ لَا يَعْبُدُ الصُّلْبَانَ لَمَّا كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى تَأَخَّرُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا حَقَّقُوا عَلَى عِبَادَةِ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أُلْحِقُوا بِأَصْحَابِ الْأَوْثَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا الْآيَةَ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِدِينِهِ الْأَصْلِيِّ فَخَرَجَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَبْقَى أَيْضًا مَنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ مِنْ مُخْلِصٍ وَمُنَافِقٍ قَوْلُهُ فَتَدَّعِي الْيَهُودُ قُدِّمُوا بِسَبَبِ تَقَدُّمِ مِلَّتِهِمْ عَلَى مِلَّةِ النَّصَارَى قَوْلُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ قَائِلِ ذَلِكَ لَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا بن اللَّهِ هَذَا فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْيَهُودِ وَأَكْثَرُهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ خُصُوصَ هَذَا الْخِطَابِ لِمَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ وَمَنْ عَدَاهُمْ يَكُونُ جَوَابُهُمْ ذِكْرَ مَنْ كَفَرُوا بِهِ كَمَا وَقَعَ فِي النَّصَارَى فَإِن مِنْهُم من أجَاب بالمسيح بن اللَّهِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ بِزَعْمِهِ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَهُمُ الِاتِّحَادِيَّةُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ قَوْلُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ لَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْحُكْمِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَإِذَا قِيلَ جَاءَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو بِكَذَا فَمَنْ كَذَّبَهُ أَنْكَرَ مَجِيئَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا انه بن عَمْرٍو وَهُنَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ عَبَّدُوا وانما انكر عَلَيْهِم ان الْمَسِيح بن اللَّهِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ فِيهِ نفي اللَّازِم وَهُوَ كَونه بن الله ليلزم نفي الْمَلْزُوم وَهُوَ عبَادَة بن اللَّهِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَتَحْصُلُ قَرِينَةٌ بِحَسَبِ الْمَقَامِ تَقْتَضِي الرُّجُوعَ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا أَوْ إِلَى الْمُشَارِ إِلَيْهِ فَقَطْ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَتَأَخَّرُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ فِي الدُّنْيَا فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ لَهُمْ فَمَيَّزَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ إِذْ لَا غُرَّةَ لِلْمُنَافِقِ وَلَا تَحْجِيلَ قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ خَاصٌّ بِالْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَتَمَيَّزُونَ بِعَدَمِ السُّجُودِ وَبِإِطْفَاءِ نُورِهِمْ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ ثُمَّ يُسْلَبَانِ عِنْدَ إِطْفَاءِ النُّورِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ تَسَتُّرَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015