مَحَلَّ الْمُسْتَهْزِئِ وَظَنَّ أَنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ وَتَرَدُّدِهِ إِلَيْهَا وَظَنِّهِ أَنَّهَا مَلَأَى نَوْعًا مِنَ السُّخْرِيَةِ بِهِ جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِ فَسَمَّى الْجَزَاءَ عَلَى السُّخْرِيَةِ سُخْرِيَةً وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ أَلِفَ أَتَسْخَرُ مِنِّي أَلِفُ النَّفْيِ كَهِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَتُهْلِكُنَا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ قَالَ وَهُوَ كَلَامُ مُتَدَلِّلٍ عَلِمَ مَكَانَهُ مِنْ رَبِّهِ وَبَسْطَهُ لَهُ بِالْإِعْطَاءِ وَجَوَّزَ عِيَاضٌ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ ضَابِطٍ لِمَا قَالَ إِذْ وَلَهَ عَقْلُهُ مِنَ السُّرُورِ بِمَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَمَّا خَلَصَ مِنَ النَّارِ لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئا مَا عطاه أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ أَكْثَرُوا فِي تَأْوِيلِهِ وَأَشْبَهَ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَخَفَّهُ الْفَرَحُ وَأَدْهَشَهُ فَقَالَ ذَلِكَ وَقِيلَ قَالَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ خَافَ أَنْ يُجَازَى عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ التَّسَاهُلِ فِي الطَّاعَاتِ وَارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَفِعْلِ السَّاخِرِينَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَتُجَازِينِي عَلَى مَا كَانَ مِنِّي فَهُوَ كَقَوْلِه سخر الله مِنْهُم وَقَوله الله يستهزئ بهم أَيْ يُنْزِلُ بِهِمْ جَزَاءَ سُخْرِيَتِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ فِي آخِرِ شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ بِنُونٍ وَجِيمٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ جَمْعُ نَاجِذٍ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي كِتَابِ الصّيام وَفِي رِوَايَة بن مَسْعُود فَضَحِك بن مَسْعُودٍ فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ فَقَالَ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ الرَّجُلُ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي قَالَ لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ نِسْبَةُ الضَّحِكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازٌ بِمَعْنَى الرِّضَا وَضَحِكُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَضحك بن مَسْعُودٍ عَلَى سَبِيلِ التَّأَسِّي قَوْلُهُ وَكَانَ يُقَالُ ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَيْسَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي نَقْلًا عَنِ الصَّحَابَةِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قُلْتُ قَائِلُ وَكَانَ يُقَالُ هُوَ الرَّاوِي كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ وَأَمَّا قَائِلُ الْمَقَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ وَسَاقَ الْقِصَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى فَيُقَالُ إِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ
[6572] قَوْلُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ بن عُمَيْرٍ وَنَوْفَلٌ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ هُوَ بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَالْعَبَّاس هُوَ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ عَمُّ جَدِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الرَّاوِي عَنْهُ وَلِلْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَيُقَالُ إِنَّ لِعَبْدِ اللَّهِ رُؤْيَةً وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُلَقَّبُ بَبَّةَ بِمُوَحَّدَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ الثَّانِيَةُ ثَقِيلَةٌ ثُمَّ هَاءِ تَأْنِيثٍ قَوْلُهُ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ هَكَذَا ثَبَتَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِحَذْفِ الْجَوَابِ وَهُوَ اخْتِصَارٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ رَوَاهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ بِتَمَامِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا بِلَفْظِ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ قَالَ نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُقَدَّمِيِّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الدَّرَكَةُ بِزِيَادَةِ هَاءٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَمَضَى أَيْضًا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَبْعَثِ النَّبَوِيِّ لِمُسَدَّدٍ فِيهِ سَنَدٌ آخَرُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ الْمَذْكُور وَالله اعْلَم