مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ وَالنَّفْعُ مَطْلُوبٌ قَالَ وَأَمَّا الْمُسْتَرِقِي فَإِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَيَرْجُو نَفْعَهُ وَتَمَامُ التَّوَكُّلِ يُنَافِي ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وَصْفُ السَّبْعِينَ بِتَمَامِ التَّوَكُّلِ فَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَرْقِيَهُمْ وَلَا يَكْوِيَهُمْ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ شَيْءٍ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَافِظٌ وَقَدِ اعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاعْتَمَدَ مُسْلِمٌ عَلَى رِوَايَتِهِ هَذِهِ وَبِأَنَّ تَغْلِيطَ الرَّاوِي مَعَ إِمْكَانِ تَصْحِيحِ الزِّيَادَةِ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى التَّغْلِيطِ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَرِقِي لِأَنَّهُ اعْتَلَّ بِأَنَّ الَّذِي لَا يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَرْقِيَهُ تَامُّ التَّوَكُّلِ فَكَذَا يُقَالُ لَهُ وَالَّذِي يَفْعَلُ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْهُ لِأَجْلِ تَمَامِ التَّوَكُّلِ وَلَيْسَ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْ جِبْرِيلَ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُدَّعَى وَلَا فِي فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَيْضًا دَلَالَةٌ لِأَنَّهُ فِي مقَام التشريع وتبيين الْأَحْكَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا تَرَكَ الْمَذْكُورُونَ الرُّقَى وَالِاسْتِرْقَاءَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكِلَ نَفْسَهُ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَالرُّقْيَةُ فِي ذَاتِهَا لَيْسَتْ مَمْنُوعَةً وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا مَا كَانَ شِرْكًا أَوِ احْتَمَلَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكٌ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الرُّقَى وَالْكَيِّ قَادِحٌ فِي التَّوَكُّلِ بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّبِّ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ بِأَنَّ الْبُرْءَ فِيهِمَا أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَمَا عَدَاهُمَا مُحَقَّقٌ عَادَةً كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَا يَقْدَحُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَكْثَرَ أَبْوَابِ الطِّبِّ مَوْهُومٌ وَالثَّانِي أَنَّ الرُّقَى بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ وَالِالْتِجَاءَ إِلَيْهِ وَالرَّغْبَةَ فِيمَا عِنْدَهُ وَالتَّبَرُّكَ بِأَسْمَائِهِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي التَّوَكُّلِ لَقَدَحَ الدُّعَاءُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَقَدْ رُقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَقَى وَفَعَلَهُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فَلَوْ كَانَ مَانِعًا مِنَ اللَّحَاقِ بِالسَّبْعِينَ أَوْ قَادِحًا فِي التَّوَكُّلِ لَمْ يَقَعْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّنْ عَدَاهُمْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ السَّبْعِينَ الْمَذْكُورِينَ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَأُبَيِّنُهُ وَجَوَّزَ أَبُو طَالِبِ بْنُ عَطِيَّةَ فِي مُوَازَنَةِ الْأَعْمَالِ أَنَّ السَّبْعِينَ الْمَذْكُورِينَ هُمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ السَّابِقِينَ فَمُسَلَّمٌ والا فَلَا وَقد اخْرُج احْمَد وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ واني لأرجو أَن لَا يدخولها حَتَّى تبوؤا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذُرِّيَّاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَزِيَّةَ السَّبْعِينَ بِالدُّخُولِ بِغَيْرِ حِسَابٍ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ فِيمَنْ يُحَاسَبُ فِي الْجُمْلَةِ مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ وَفِيمَنْ يَتَأَخَّرُ عَنِ الدُّخُولِ مِمَّنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاتُهُ وَعُرِفَ مَقَامُهُ مِنَ الْجَنَّةِ يَشْفَعُ فِي غَيْرِهِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ وَسَأَذْكُرُ بَعْدَ قَلِيلٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مُحْصَنٍ أَنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا مِمَّنْ يُحْشَرُ مِنْ مَقْبَرَةِ الْبَقِيعِ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ خُصُوصِيَّةٌ أُخْرَى قَوْلُهُ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ تَقَدَّمَ بَيَانُ الطِّيرَةِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَتَشَاءَمُونَ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ وَعَلَى رَبِّهمْ يَتَوَكَّلُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْكِ الِاسْتِرْقَاءِ وَالِاكْتِوَاءِ وَالطِّيَرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْعَامِّ بعد الْخَاص لِأَن صفة كل وَاحِدَةً مِنْهَا صِفَةٌ خَاصَّةٌ مِنَ التَّوَكُّلِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي التَّوَكُّلِ فِي بَابُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ قَرِيبًا وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمُ التَّوَكُّلَ إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِطْ قَلْبَهُ خَوْفٌ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْأَسَدُ لَا يَنْزَعِجُ وَحَتَّى لَا يَسْعَى فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لِكَوْنِ اللَّهِ ضَمِنَهُ لَهُ وَأَبَى هَذَا الْجُمْهُورُ وَقَالُوا يَحْصُلُ التَّوَكُّلُ بِأَنْ يَثِقَ بِوَعْدِ اللَّهِ وَيُوقِنَ بِأَنَّ قَضَاءَهُ وَاقِعٌ وَلَا يَتْرُكَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ فِي ابْتِغَاءِ الرِّزْقِ مِمَّا لَا بُد