الْمَجَازِ الْبَلِيغِ لِأَنَّ مَنْ كَرِهَ مَنْ أَحَبَّ اللَّهُ خَالَفَ اللَّهَ وَمَنْ خَالَفَ اللَّهَ عَانَدَهُ وَمَنْ عَانَدَهُ أَهْلَكَهُ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي جَانِبِ الْمُعَادَاةِ ثَبَتَ فِي جَانِبِ الْمُوَالَاةِ فَمَنْ وَالَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الطُّوفِيُّ لَمَّا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ تَوَلَّى اللَّهَ بِالطَّاعَةِ وَالتَّقْوَى تَوَلَّاهُ اللَّهُ بِالْحِفْظِ وَالنُّصْرَةِ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ عَدُوَّ الْعَدُوِّ صِدِّيقٌ وَصِدِّيقَ الْعَدُوِّ عَدُوٌّ فَعَدُوُّ وَلِيِّ اللَّهِ عَدُوُّ اللَّهِ فَمَنْ عَادَاهُ كَانَ كَمَنْ حَارَبَهُ وَمَنْ حَارَبَهُ فَكَأَنَّمَا حَارَبَ اللَّهَ قَوْلُهُ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ يَجُوزُ فِي أَحَبَّ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ جَمِيعُ فَرَائِضِ الْعَيْنِ وَالْكِفَايَةِ وَظَاهِرُهُ الِاخْتِصَاصُ بِمَا ابْتَدَأَ اللَّهُ فَرْضِيَّتَهُ وَفِي دُخُولِ مَا أَوْجَبَهُ الْمُكَلَّفُ عَلَى نَفْسِهِ نَظَرٌ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ إِلَّا إِنْ أُخِذَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ أَدَاءَ الْفَرَائِضِ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ قَالَ الطُّوفِيُّ الْأَمْرُ بِالْفَرَائِضِ جَازِمٌ وَيَقَعُ بِتَرْكِهَا الْمُعَاقَبَةُ بِخِلَافِ النَّفْلِ فِي الْأَمْرَيْنِ وَإِنِ اشْتَرَكَ مَعَ الْفَرَائِضِ فِي تَحْصِيلِ الثَّوَابِ فَكَانَتِ الْفَرَائِضُ أَكْمَلَ فَلِهَذَا كَانَتْ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَدَّ تَقْرِيبًا وَأَيْضًا فَالْفَرْضُ كَالْأَصْلِ وَالْأُسِّ وَالنَّفْلُ كَالْفَرْعِ وَالْبِنَاءِ وَفِي الْإِتْيَانِ بِالْفَرَائِضِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَاحْتِرَامُ الْآمِرِ وَتَعْظِيمُهُ بِالِانْقِيَادِ إِلَيْهِ وَإِظْهَارُ عَظَمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ فَكَانَ التَّقَرُّب بذلك أعظم الْعَمَل وَالَّذِي يُؤَدِّي الْفَرْض قَدْ يَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنَ الْعُقُوبَةِ وَمُؤَدِّي النَّفْلِ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا إِيثَارًا لِلْخِدْمَةِ فَيُجَازَى بِالْمَحَبَّةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ مَطْلُوبِ مَنْ يَتَقَرَّبُ بِخِدْمَتِهِ قَوْلُهُ وَمَا زَالَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا يَزَالُ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ قَوْلُهُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ التَّقَرُّبُ طَلَبُ الْقُرْبِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ قُرْبُ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ يَقَعُ أَوَّلًا بِإِيمَانِهِ ثُمَّ بِإِحْسَانِهِ وَقُرْبُ الرَّبِّ مِنْ عَبْدِهِ مَا يَخُصُّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ عِرْفَانِهِ وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ رِضْوَانِهِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ لُطْفِهِ وَامْتِنَانِهِ وَلَا يَتِمُّ قُرْبُ الْعَبْدِ مِنَ الْحَقِّ إِلَّا بِبَعْدِهِ مِنَ الْخَلْقِ قَالَ وَقُرْبُ الرَّبِّ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَامٌّ لِلنَّاسِ وَبِاللُّطْفِ وَالنُّصْرَةِ خَاصٌّ بِالْخَوَاصِّ وَبِالتَّأْنِيسِ خَاصٌّ بِالْأَوْلِيَاءِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ يَتَحَبَّبُ إِلَيَّ بَدَلَ يَتَقَرَّبُ وَكَذَا فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ قَوْلُهُ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَحْبَبْتُهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أُحِبَّهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ تَقَعُ بِمُلَازَمَةِ الْعَبْدِ التَّقَرُّبَ بِالنَّوَافِلِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ بِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ الْفَرَائِضَ أَحَبُّ الْعِبَادَاتِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ فَكَيْفَ لَا تُنْتِجُ الْمَحَبَّةَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّوَافِلِ مَا كَانَتْ حَاوِيَةً لِلْفَرَائِضِ مُشْتَمِلَةً عَلَيْهَا وَمُكَمِّلَةً لَهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَة أبي أُمَامَة بن آدَمَ إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَ مَا عِنْدِي إِلَّا بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكَ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ وَدَامَ عَلَى إِتْيَانِ النَّوَافِلِ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِهِمَا أَفْضَى بِهِ ذَلِكَ إِلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ بن هُبَيْرَةَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ مَا تَقْرَبَ إِلَخْ أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لِأَنَّ النَّافِلَةَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ نَافِلَةً لِأَنَّهَا تَأْتِي زَائِدَةً عَلَى الْفَرِيضَةِ فَمَا لَمْ تُؤَدَّ الْفَرِيضَةُ لَا تَحْصُلُ النَّافِلَةُ وَمَنْ أَدَّى الْفَرْضَ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ النَّفْلَ وَأَدَامَ ذَلِكَ تَحَقَّقَتْ مِنْهُ إِرَادَةُ التَّقَرُّبِ انْتَهَى وَأَيْضًا فَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ التَّقَرُّبَ يَكُونُ غَالِبًا بِغَيْرِ مَا وَجَبَ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ كَالْهَدِيَّةِ وَالتُّحْفَةِ بِخِلَافِ مَنْ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ خَرَاجٍ أَوْ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا شُرِعَتْ لَهُ النَّوَافِلُ جَبْرُ الْفَرَائِضِ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتَكْمُلُ بِهِ فَرِيضَتُهُ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّقَرُّبِ بِالنَّوَافِلِ أَنْ تَقَعَ مِمَّنْ أَدَّى الْفَرَائِضَ لَا مَنْ أَخَلَّ بِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ مَنْ شَغَلَهُ الْفَرْضُ عَنِ النَّفْلِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَمَنْ شَغَلَهُ النَّفْلُ عَنِ الْفَرْضِ فَهُوَ مَغْرُورٌ قَوْلُهُ فَكُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ بِهِ قَوْلُهُ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَيْنَهُ الَّتِي يبصر بهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015