يُعِفَّهُ اللَّهُ أَيْ إِنْ عَفَّ عَنِ السُّؤَالِ وَلَوْ لَمْ يُظْهِرْ الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ النَّاسِ لَكِنَّهُ إِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا لَمْ يَتْرُكْهُ يَمْلَأِ اللَّهُ قَلْبَهُ غِنًى بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى سُؤَالٍ وَمَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَأَظْهَرَ الِاسْتِغْنَاءَ فَتَصَبَّرَ وَلَوْ أُعْطِيَ لَمْ يَقْبَلْ فَذَاكَ أَرْفَعُ دَرَجَةً فالصبر جَامع لمكارم الْأَخْلَاق وَقَالَ بن التِّينِ مَعْنَى قَوْلِهِ يُعِفَّهُ اللَّهُ إِمَّا أَنْ يَرْزُقَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنِ السُّؤَالِ وَإِمَّا أَنْ يَرْزُقَهُ الْقَنَاعَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ
[6471] قَوْلُهُ حَتَّى تَرِمَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ أَوْ تَنْتَفِخَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَقَوْلُهُ فَيُقَالُ لَهُ الْقَائِلُ لَهُ ذَلِكَ عَائِشَةُ قَوْلُهُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مَعَ شَرْحِ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ الشُّكْرَ وَاجِبٌ وَتَرْكَ الْوَاجِبِ حَرَامٌ وَفِي شَغْلِ النَّفْسِ بِفِعْلِ الْوَاجِبِ صَبْرٌ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّكْرَ يَتَضَمَّنُ الصَّبْرَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الصَّبْرُ يَسْتَلْزِمُ الشُّكْرَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ وَبِالْعَكْسِ فَمَتَى ذَهَبَ أَحَدُهُمَا ذَهَبَ الْآخَرُ فَمَنْ كَانَ فِي نِعْمَةٍ فَفَرْضُهُ الشُّكْرُ وَالصَّبْرُ أَمَّا الشُّكْرُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الصَّبْرُ فَعَنِ الْمَعْصِيَةِ وَمَنْ كَانَ فِي بَلِيَّةٍ فَفَرْضُهُ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ أَمَّا الصَّبْرُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الشُّكْرُ فَالْقِيَامُ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْبَلِيَّةِ فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعَبْدِ عُبُودِيَّةً فِي الْبَلَاءِ كَمَا لَهُ عَلَيْهِ عُبُودِيَّةً فِي النَّعْمَاءِ ثُمَّ الصَّبْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَبْرٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَرْتَكِبُهَا وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا وَصَبْرٌ عَلَى الْبَلِيَّةِ فَلَا يَشْكُو رَبَّهُ فِيهَا وَالْمَرْءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ فَالصَّبْرُ لَازِمٌ لَهُ أَبَدًا لَا خُرُوجَ لَهُ عَنْهُ وَالصَّبْرُ سَبَبٌ فِي حُصُولِ كُلِّ كَمَالٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِنَّ الصَّبْرَ خَيْرُ مَا أُعْطِيَهُ الْعَبْدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الصَّبْرُ تَارَةً يَكُونُ لِلَّهِ وَتَارَةً يَكُونُ بِاللَّهِ فَالْأَوَّلُ الصَّابِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ فَيَصْبِرُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيَصْبِرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالثَّانِي الْمُفَوِّضُ لِلَّهِ بِأَنْ يَبْرَأَ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَيُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى رَبِّهِ وَزَادَ بَعْضُهُمُ الصَّبْرَ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ الرِّضَا بِالْمَقْدُورِ فَالصَّبْرُ لِلَّهِ يَتَعَلَّقُ بِإِلَهِيَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَالصَّبْرُ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَالثَّالِثُ يَرْجِعُ إِلَى الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الصَّبْرِ عَلَى أَحْكَامِهِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ أَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ وَالصَّبْرُ عَلَى ابْتِلَائِهِ وَهُوَ أَحْكَامُهُ الكونية وَالله اعْلَم
اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْآيَةِ تَرْجَمَةً لِتَضَمُّنِهَا التَّرْغِيبَ فِي التَّوَكُّلِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَقْيِيدِ مَا أُطْلِقَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَنَّ كُلًّا مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ وَالتَّصَبُّرِ وَالتَّعَفُّفِ إِذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي يَنْفَعُ وَيَنْجَعُ وَأَصْلُ التَّوَكُّلِ الْوُكُولُ يُقَالُ وَكَّلْتُ أَمْرِي إِلَى فُلَانٍ أَيْ أَلْجَأْتُهُ إِلَيْهِ وَاعْتَمَدْتُ فِيهِ عَلَيْهِ وَوَكَّلَ فُلَانٌ فُلَانًا اسْتَكْفَاهُ أَمْرَهُ ثِقَةً بِكِفَايَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالتَّوَكُّلِ اعْتِقَادُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى الله رزقها وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكَ التَّسَبُّبِ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى مَا يَأْتِي مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرُّ إِلَى ضِدِّ مَا يَرَاهُ مِنَ التَّوَكُّلِ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ لَا أَعْمَلُ شَيْئا