وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِغِنَى النَّفْسِ حُصُولُ الْكَمَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْقَائِلُ وَمَنْ يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي جَمْعِ مَالِهِ مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الْفَقْرُ أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْفِقَ أَوْقَاتَهُ فِي الْغِنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْكَمَالَاتِ لَا فِي جَمْعِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَزْدَادُ بِذَلِكَ إِلَّا فَقْرًا انْتَهَى وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ لَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ غِنَى النَّفْسِ بِغِنَى الْقَلْبِ بِأَنْ يَفْتَقِرَ إِلَى رَبِّهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَيَتَحَقَّقُ أَنَّهُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ فَيَرْضَى بِقَضَائِهِ وَيَشْكُرُهُ عَلَى نَعْمَائِهِ وَيَفْزَعُ إِلَيْهِ فِي كَشْفِ ضَرَّائِهِ فَيَنْشَأُ عَنِ افْتِقَارِ الْقَلْبِ لرَبه غنى نَفسه عَن غير ربه تَعَالَى وَالْغِنَى الْوَارِدُ فِي قَوْلِهِ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فأغنى يَتَنَزَّلُ عَلَى غِنَى النَّفْسِ فَإِنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَلَا يَخْفَى مَا كَانَ فِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ عَلَيْهِ خَيْبَرُ وَغَيْرُهَا مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015