مَا أحملكم عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ وَبَيْنَ لَا أَحْمِلُكُمْ قُلْتُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لَمَّا سَأَلَ الْأَشْعَرِيُّونَ الْحِمْلَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْأَشْعَرِيِّ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ لَا يَحْمِلُهُمْ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ فَيُمْكِنُ أَنْ يُخَصَّ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ بِمَا إِذَا سُئِلَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَالسَّائِلُ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَوْ حَيْثُ كَانَ الْمَقَامُ لَا يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى السُّكُوتِ مِنَ الْحَالَةِ الْوَاقِعَةِ أَوْ مِنْ حَالِ السَّائِلِ كَأَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْرِفِ الْعَادَةَ فَلَوِ اقْتَصَرَ فِي جَوَابِهِ عَلَى السُّكُوتِ مَعَ حَاجَةِ السَّائِلِ لَتَمَادَى عَلَى السُّؤَالِ مَثَلًا وَيَكُونُ الْقَسَمُ عَلَى ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِقَطْعِ طَمَعِ السَّائِلِ وَالسِّرُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ وَقَوْلِهِ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ أَنَّ الْأَوَّلَ لِبَيَانِ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ الْإِجَابَةَ إِلَى مَا سُئِلَ بِالْقَرْضِ مَثَلًا أَوْ بِالِاسْتِيهَابِ إِذْ لَا اضْطِرَارَ حِينَئِذٍ إِلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ لَازِمِ عَدَمِ قَوْلِ لَا إِثْبَاتَ نَعَمْ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُ الْبُخْلِ لِأَنَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَاظَبَ عَلَى شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ وُجُوبِهِ وَالتَّرْجَمَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْبُخْلَ مَكْرُوهٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِذَا تَمَّ هَذَا الْبَحْثُ حُمِلَتِ الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ لَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ لِأَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ مِنَ الْبُخْلِ مَا يَمْنَعُ الْوَاجِبَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنْ عَلَى مَنْ هُوَ فِي مَقَامِ النُّبُوَّةِ إِذْ مُقَابِلُهُ نَقْصٌ مُنَزَّهٌ عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ فَيَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّرْجَمَةُ تَتَضَمَّنُ أَنَّ مِنَ الْبُخْلِ مَا يُكْرَهُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ كَمَا أَنَّ فِيهِ مَا يُبَاحُ بَلْ وَيُسْتَحَبُّ بَلْ وَيَجِبُ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ المُصَنّف على قَوْله يكره الحَدِيث الْخَامِس حَدِيثُ مَسْرُوقٍ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَرِجَالُهُ إِلَى الصَّحَابَةِ كُوفِيُّونَ وَقَدْ دَخَلَهَا كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا فِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ
[6035] فِيهِ إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَحْسَنُكُمْ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ وَهِيَ مُرَادَةٌ هُنَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَلِأَحْمَدَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ نَحْوَهُ بِلَفْظِ أَحْسَنِ النَّاسِ إِسْلَامًا وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ إِنَّ مِنْ أَحِبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ نَحْوَهُ وَقَالَ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ قَالَ خُلُقٌ حَسَنٌ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنُ سَمْعَانَ رَفَعَهُ الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ هُوَ وبن حِبَّانَ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ وَهُوَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْم وَالصَّلَاة وَأخرجه أَبُو دَاوُد وبن حِبَّانَ أَيْضًا وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرو وَأخرج التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ