الفصل الثاني في بيان موضوعه والكشف عن مغزاه فيه وتسمية المؤلف لكتابه

(الْفَصْل الثَّانِي فِي بَيَان مَوْضُوعه والكشف عَن مغزاه فِيهِ وَتَسْمِيَة الْمُؤلف لكتابه الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند من حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته وأيامه)

تقرر أَنه الْتزم فِيهِ الصِّحَّة وَأَنه لَا يُورد فِيهِ إِلَّا حَدِيثا صَحِيحا هَذَا أصل مَوْضُوعه وَهُوَ مُسْتَفَاد من تَسْمِيَته إِيَّاه الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند من حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسننه وايامه وَمِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنهُ من رِوَايَة الْأَئِمَّة عَنهُ صَرِيحًا ثمَّ رأى أَن لَا يخليه من الْفَوَائِد الْفِقْهِيَّة والنكت الْحكمِيَّة فاستخرج بفهمه من الْمُتُون مَعَاني كَثِيرَة فرقها فِي أَبْوَاب الْكتاب بِحَسب تناسبها واعتنى فِيهِ بآيَات الْأَحْكَام فَانْتزع مِنْهَا الدلالات البديعة وسلك فِي الْإِشَارَة إِلَى تَفْسِيرهَا السبل الوسيعة قَالَ الشَّيْخ محيي الدّين نفع الله بِهِ لَيْسَ مَقْصُود البُخَارِيّ الِاقْتِصَار على الْأَحَادِيث فَقَط بل مُرَاده الاستنباط مِنْهَا وَالِاسْتِدْلَال لأبواب ارادها وَلِهَذَا الْمَعْنى اخلى كثيرا من الْأَبْوَاب عَن إِسْنَاد الحَدِيث وَاقْتصر فِيهِ على قَوْله فِيهِ فلَان عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقد يذكر الْمَتْن بِغَيْر إِسْنَاد وَقد يُورِدهُ مُعَلّقا وَإِنَّمَا يفعل هَذَا لِأَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِجَاج للمسئلة الَّتِي ترْجم لَهَا وَأَشَارَ إِلَى الحَدِيث لكَونه مَعْلُوما وَقد يكون مِمَّا تقدم وَرُبمَا تقدم قَرِيبا وَيَقَع فِي كثير من أبوابه الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة وَفِي بَعْضهَا مَا فِيهِ حَدِيث وَاحِد وَفِي بَعْضهَا مَا فِيهِ آيَة من كتاب الله وَبَعضهَا لَا شَيْء فِيهِ الْبَتَّةَ وَقد ادّعى بَعضهم أَنه صنع ذَلِك عمدا وغرضه أَن يبين أَنه لم يثبت عِنْده حَدِيث بِشَرْطِهِ فِي الْمَعْنى الَّذِي ترْجم عَلَيْهِ وَمن ثمَّة وَقع من بعض من نسخ الْكتاب ضم بَاب لم يذكر فِيهِ حَدِيث إِلَى حَدِيث لم يذكر فِيهِ بَاب فأشكل فهمه على النَّاظر فِيهِ وَقد أوضح السَّبَب فِي ذَلِك الإِمَام أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ الْمَالِكِي فِي مُقَدّمَة كِتَابه فِي أَسمَاء رجال البُخَارِيّ فَقَالَ أَخْبرنِي الْحَافِظ أَبُو ذَر عبد الرَّحِيم بن أَحْمد الْهَرَوِيّ قَالَ حَدثنَا الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد المستملى قَالَ انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ عِنْد صَاحبه مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي فَرَأَيْت فِيهِ أَشْيَاء لم تتمّ وَأَشْيَاء مبيضة مِنْهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا شَيْئا وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم لَهَا فأضفنا بعض ذَلِك إِلَى بعض قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَمِمَّا يدل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن رِوَايَة أبي إِسْحَاق المستملى وَرِوَايَة أبي مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَرِوَايَة أبي الْهَيْثَم الكشمهينى وَرِوَايَة أبي زيد الْمروزِي مُخْتَلفَة بالتقديم وَالتَّأْخِير مَعَ إِنَّهُم انتسخوا من أصل وَاحِد وَإِنَّمَا ذَلِك بِحَسب مَا قدر كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا كَانَ فِي طرة أَو رقْعَة مُضَافَة أَنه من مَوضِع مَا فأضافه إِلَيْهِ وَيبين ذَلِك انك تَجِد ترجمتين وَأكْثر من ذَلِك مُتَّصِلَة لَيْسَ بَينهَا أَحَادِيث قَالَ الباجى وانما اوردت هَذَا هُنَا لما عَنى بِهِ أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث الَّذِي يَليهَا وتكلفهم من ذَلِك من تعسف التَّأْوِيل مَا لَا يسوغ انْتهى قلت وَهَذِه قَاعِدَة حَسَنَة يفزع إِلَيْهَا حَيْثُ يتعسر وَجه الْجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث وَهِي مَوَاضِع قَليلَة جدا ستظهر كَمَا سَيَأْتِي ذَلِك إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَن البُخَارِيّ مَعَ ذَلِك فِيمَا يُورِدهُ من تراجم الْأَبْوَاب على اطوار أَن وجد حَدِيثا يُنَاسب ذَلِك الْبَاب وَلَو على وَجه خَفِي وَوَافَقَ شَرطه أوردهُ فِيهِ بالصيغة الَّتِي جعلهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015