رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ وَلَيْسَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَخَالُفٌ لِأَنَّ مَا كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ بِدَوَامِ الْقَلِيلِ تَسْتَمِرُّ الطَّاعَةُ بِالذِّكْرِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ الشَّاقِّ حَتَّى يَنْمُوَ الْقَلِيلُ الدَّائِمُ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ اضعافا كَثِيرَة وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا أَحَبَّ الدَّائِمَ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّارِكَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ كَالْمُعْرِضِ بَعْدَ الْوَصْلِ فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِلذَّمِّ وَلِهَذَا وَرَدَ الْوَعِيدُ فِي حَقِّ مَنْ حَفِظَ آيَةً ثُمَّ نَسِيَهَا وَأَن كَانَ قبل حفظهَا لايتعين عَلَيْهِ ثَانِيهُمَا أَنَّ مُدَاوِمَ الْخَيْرِ مُلَازِمٌ لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ مَنْ لَازَمَ الْبَابَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَقْتًا مَا كَمَنْ لَازَمَ يَوْمًا كَامِلًا ثُمَّ انْقَطَعَ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دووم عَلَيْهِ وَإِن قل
تَقَدَّمَ لَهُ قَبْلُ بِسِتَّةَ عَشَرَ بَابًا بَابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الْأَعْمَالِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي أَوْرَدَهُ هُنَا فَتُعُقِّبَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ تَكْرَارٌ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمَّا كَانَتِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ أَوْ بِاعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ تَرْجَمَ لِكُلٍّ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ وَخَصَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ بِالْأَعْمَالِ لِأَنَّ سِيَاقَهُ لَيْسَ فِيهِ تَفَاوُتٌ بَيْنَ الْمَوْزُونَاتِ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَنَسٍ فَفِيهِ التَّفَاوُتُ فِي الْإِيمَانِ الْقَائِمِ بِالْقَلْبِ مِنْ وَزْنِ الشَّعِيرَةِ وَالْبُرَّةِ وَالذَّرَّةِ قَالَ بن بَطَّالٍ التَّفَاوُتُ فِي التَّصْدِيقِ عَلَى قَدْرِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فَمَنْ قَلَّ عِلْمُهُ كَانَ تَصْدِيقُهُ مَثَلًا بِمِقْدَارِ ذَرَّةٍ وَالَّذِي فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ تَصْدِيقُهُ بِمِقْدَارِ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ إِلَّا أَنَّ أَصْلَ التَّصْدِيقِ الْحَاصِلِ فِي قَلْبِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ وَالْمُعَايَنَةِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِمَا يُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَوَقَعَ الِاسْتِدْلَالُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِنَظِيرِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنَ الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الرَّقِّيِّ قَالَ قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ إِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ الْإِيمَانُ كَلَامٌ فَقَالَ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ الْأَحْكَامُ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ صِدْقَهُمْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ فَفَعَلُوا وَلَوْ لَمْ يَفْعَلُوا مَا نَفَعَهُمُ الْإِقْرَارُ فَذَكَرَ الْأَرْكَانَ إِلَى أَنْ قَالَ فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ مَا تَتَابَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَرَائِضِ وَقَبُولَهُمْ قَالَ الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ الْآيَةَ فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَسَلًا أَوْ مُجُونًا أَدَّبْنَاهُ عَلَيْهِ وَكَانَ نَاقِصَ الْإِيمَانِ وَمَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا كَانَ كَافِرًا انْتَهَى مُلَخَّصًا وَتَبِعَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ إِنَّ بَعْضَ الْمُخَالِفِينَ لَمَّا أُلْزِمَ بِذَلِكَ أَجَابَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ هُوَ مَجْمُوعَ الدِّينِ إِنَّمَا الدِّينُ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ الْإِيمَانُ جُزْء والأعمال جزآن لِأَنَّهَا فَرَائِضُ وَنَوَافِلُ وَتَعَقَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ