كَانَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا وَالْفَاءُ فِي فَعَيَّرْتُهُ قِيلَ هِيَ تَفْسِيرِيَّةٌ كَأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ التَّعْيِيرَ هُوَ السَّبُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمَا سِبَابٌ وَزَادَ عَلَيْهِ التَّعْيِيرُ فَتَكُونُ عَاطِفَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ قَالَ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ فَقُلْتُ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ أَيْ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ تَحْرِيمَهُ فَكَانَتْ تِلْكَ الْخَصْلَةُ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَلِهَذَا قَالَ كَمَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْأَدَبِ قُلْتُ عَلَى سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ قَالَ نَعَمْ كَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَمَعَ كِبَرِ سِنِّهِ فَبَيَّنَ لَهُ كَوْنَ هَذِهِ الْخَصْلَةِ مَذْمُومَةً شَرْعًا وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَاوِي غُلَامَهُ فِي الْمَلْبُوسِ وَغَيْرِهِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْمُوَاسَاةِ لَا الْمُسَاوَاةَ وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَقِيَّةِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَعْدِيَةِ عيرته بِالْبَاء وَقد أنكرهُ بن قُتَيْبَةَ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَثْبَتَ آخَرُونَ أَنَّهَا لُغَةٌ وَقَدْ جَاءَ فِي سَبَبِ إِلْبَاسِ أَبِي ذَرٍّ غُلَامَهُ مِثْلَ لُبْسِهِ أَثَرٌ مَرْفُوعٌ أَصْرَحُ مِنْ هَذَا وَأَخَصُّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا ذَرٍّ عَبْدًا فَقَالَ أَطْعِمْهُ مِمَّا تَأْكُلُ وَأَلْبِسْهُ مِمَّا تَلْبَسُ وَكَانَ لِأَبِي ذَرٍّ ثَوْبٌ فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ فَأَعْطَى الْغُلَامَ نِصْفَهُ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ قُلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ قَالَ نعم

(قَوْلُهُ بَابُ ظُلْمٍ دُونَ ظُلْمٍ دُونَ)

يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى غَيْرَ أَيْ أَنْوَاعُ الظُّلْمِ مُتَغَايِرَةٌ أَوْ بِمَعْنَى الْأَدْنَى أَيْ بَعْضُهَا أَخَفُّ مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا من طَرِيق طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ تَرْجَمَةً وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ بِظُلْمٍ عُمُومَ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَهُوَ الشِّرْكُ عَلَى مَا سَنُوَضِّحُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلظُّلْمِ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةً وَمُنَاسَبَةُ إِيرَادِ هَذَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمعاصِي غير الشّرك لاينسب صَاحِبُهَا إِلَى الْكُفْرِ الْمُخْرِجِ عَنِ الْمِلَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ ظَاهِرَةٌ

[32] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُصَحَّحَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قبلهَا صُورَة ح فَإِن كَانَت مِنْ أَصْلِ التَّصْنِيفِ فَهِيَ مُهْمَلَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّحْوِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ كَانَتْ مَزِيدَةً مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُهْمَلَةً كَذَلِكَ أَوْ مُعْجَمَةً مَأْخُوذَةً مِنَ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهَا رَمْزُهُ أَي قَالَ البُخَارِيّ وحَدثني بشر وَهُوَ بن خَالِد العسكري وَشَيْخه مُحَمَّد هُوَ بن جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ وَهُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي شُعْبَةَ وَلِهَذَا أَخْرَجَ الْمُؤَلِّفُ رِوَايَتَهُ مَعَ كَوْنِهِ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَالِيًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَاللَّفْظُ الْمُسَاقُ هُنَا لَفْظُ بِشْرٍ وَكَذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015