النَّاسَ عَلَيْهَا وَحَدِيثُ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفطْرَة ظَاهر أَن فِي دَفْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَصْلِهَا وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِهَذَا فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ نَقَلَ الْقُدْوَةُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيِّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُعْتَزِلَةِ بَقِيَتْ فِي الْمَذْهَبِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ يُؤَاخَذُ بِهَا إِنِ اسْتَقَرَّتْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِذَلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ أَوْ تَعْمَلْ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ هُوَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَكْمِلَةٌ تُذْكَرُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ

[20] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ بِتَشْدِيدِهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ نَفْسِهِ وَهُوَ أَخْبَرَ بِأَبِيهِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْأَكْثَرِ مَشَايِخَ بَلَدِهِ وَقَدْ صَنَّفَ الْمُنْذِرِيُّ جُزْءًا فِي تَرْجِيحِ التَّشْدِيدِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافه قَوْله أخبرنَا عَبدة هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ حَدَّثَنَا قَوْلُهُ عَن هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَوْلُهُ إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا أَمَرَهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ شَرْحُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ وَكَذَا مِنْ طَرِيقِ بن نُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ وَلَفْظُهُ كَانَ إِذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالشَّيْءِ قَالُوا وَالْمَعْنَى كَانَ إِذَا أَمَرَهُمْ بِمَا يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ دُونَ مَا يَشُقُّ خَشْيَةَ أَنْ يَعْجِزُوا عَنِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ وَعَمِلَ هُوَ بِنَظِيرِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنَ التَّخْفِيفِ طَلَبُوا مِنْهُ التَّكْلِيفَ بِمَا يَشُقَّ لِاعْتِقَادِهِمِ احْتِيَاجُهُمْ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْعَمَلِ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ دُونَهُ فَيَقُولُونَ لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ فَيَغْضَبُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حُصُولَ الدَّرَجَاتِ لَا يُوجِبُ التَّقْصِيرَ فِي الْعَمَلِ بَلْ يُوجِبُ الِازْدِيَادَ شُكْرًا لِلْمُنْعِمِ الْوَهَّابِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِمَا يسهل عَلَيْهِم ليداوموا عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَعَلَى مُقْتَضَى مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ تَكْرِيرِ أَمَرَهُمْ يَكُونُ الْمَعْنَى كَانَ إِذَا أَمَرَهُمْ بِعَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ أَمَرَهُمْ بِمَا يُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُمُ الثَّانِيَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَقَالُوا جَوَابُ ثَانٍ قَوْلُهُ كَهَيْئَتِكَ أَيْ لَيْسَ حَالُنَا كَحَالِكَ وَعَبَّرَ بِالْهَيْئَةِ تَأْكِيدًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ الْأُولَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ تُرَقِّي صَاحِبَهَا إِلَى الْمَرَاتِبِ السَّنِيَّةِ مِنْ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَمَحْوِ الْخَطِيئَاتِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ اسْتِدْلَالَهُمْ وَلَا تَعْلِيلَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى الثَّانِيَةُ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْعِبَادَةِ وَثَمَرَاتِهَا كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ إِلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا اسْتِبْقَاءً لِلنِّعْمَةِ وَاسْتِزَادَةً لَهَا بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا الثَّالِثَةُ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدَّ الشَّارِعُ مِنْ عَزِيمَةٍ وَرُخْصَةٍ وَاعْتِقَادُ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَرْفَقِ الْمُوَافِقِ لِلشَّرْعِ أَوْلَى مِنَ الْأَشَقِّ الْمُخَالِفِ لَهُ الرَّابِعَةُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي الْعِبَادَةِ الْقَصْدُ وَالْمُلَازَمَةُ لَا الْمُبَالَغَةُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى التَّرْكِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُنْبَتُّ أَيِ الْمُجِدُّ فِي السَّيْرِ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى الْخَامِسَةُ التَّنْبِيهُ عَلَى شِدَّةِ رَغْبَةِ الصَّحَابَةِ فِي الْعِبَادَةِ وَطَلَبِهِمُ الِازْدِيَادَ مِنَ الْخَيْرِ السَّادِسَةُ مَشْرُوعِيَّةُ الْغَضَبِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَالْإِنْكَارِ عَلَى الْحَاذِقِ الْمُتَأَهِّلِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى إِذَا قَصَّرَ فِي الْفَهْمِ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى التَّيَقُّظِ السَّابِعَةُ جَوَازُ تَحَدُّثِ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ مِنْ فَضْلٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنَ الْمُبَاهَاةِ وَالتَّعَاظُمِ الثَّامِنَةُ بَيَانُ أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُتْبَةَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي الْحِكْمَتَيْنِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ أَعْلَمُكُمْ وَإِلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ أَتْقَاكُمْ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَأَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ لَأَنَا بِزِيَادَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015