وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فَإِنْ كَانَ فَلَا كَرَاهَةَ كَذَا قَالَ وَأَجَابَ عَنِ الْإِشْكَالِ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَاعْتَذَرَ فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ بِأَنَّ عِيَاضًا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ جَمَاعَةً ذَكَرُوهُ فِي الصَّحَابَةِ وَسَمَّوْهُ بُسْرًا بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَاحْتَجَّ عِيَاضٌ بِمَا وَرَدَ فِي خَبَرِهِ أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكِبْرُ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْكِبْرَ وَالْمُخَالَفَةَ لَا يَقْتَضِي النِّفَاقَ لَكِنَّهُ مَعْصِيَةٌ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَ إِيجَابٍ قُلْتُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنِ اخْتِيَارِهِ أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ نَدْبٍ وَقد صرح بن الْعَرَبِيِّ بِإِثْمِ مَنْ أَكَلَ بِشِمَالِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُنْسَبُ إِلَى الشَّيْطَانِ حَرَامٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَشْرِيفِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ لِأَنَّهَا أَقْوَى فِي الْغَالِبِ وَأَسْبَقُ لِلْأَعْمَالِ وَأَمْكَنُ فِي الْأَشْغَالِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْيُمْنِ وَقَدْ شَرَّفَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ نَسَبَهُمْ إِلَى الْيَمِينِ وَعَكْسُهُ فِي أَصْحَابِ الشِّمَالِ قَالَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالْيَمِينُ وَمَا نُسِبَ إِلَيْهَا وَمَا اشْتُقَّ مِنْهَا مَحْمُودٌ لُغَةً وَشَرْعًا وَدِينًا وَالشِّمَالُ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمِنَ الْآدَابِ الْمُنَاسِبَةِ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالسِّيرَةِ الْحَسَنَةِ عِنْدَ الْفُضَلَاءِ اخْتِصَاصُ الْيَمِينِ بِالْأَعْمَالِ الشَّرِيفَةِ وَالْأَحْوَالِ النَّظِيفَةِ وَقَالَ أَيْضًا كُلُّ هَذِهِ الْأَوَامِرِ مِنَ الْمَحَاسِنِ الْمُكَمِّلَةِ وَالْمَكَارِمِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَالْأَصْلُ فِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا التَّرْغِيبُ وَالنَّدْبُ قَالَ وَقَوْلُهُ كُلْ مِمَّا يَلِيكَ مَحِلُّهُ مَا إِذَا كَانَ الطَّعَامُ نَوْعًا وَاحِدًا لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ كَالْحَائِزِ لِمَا يَلِيهِ مِنَ الطَّعَامِ فَأَخْذُ الْغَيْرِ لَهُ تَعَدٍّ عَلَيْهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَقَذُّرِ النَّفْسِ مِمَّا خَاضَتْ فِيهِ الْأَيْدِي وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الْحِرْصِ وَالنَّهَمِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سُوءُ أَدَبٍ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَنْوَاعُ فَقَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ كَذَا قَالَ قَوْلُهُ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ صِفَةُ أَكْلِي أَيْ لَزِمْتُ ذَلِكَ وَصَارَ عَادَةً لِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالضَّمِّ يُقَالُ طُعْمٌ إِذَا أَكْلٌ وَالطُّعْمَةُ الْأَكْلَةُ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ مَا تقدم من الِابْتِدَاء بِالتَّسْمِيَةِ وَالْأكل بِالْيَمِينِ وَالْأكل مِمَّا يَلِيهِ وَقَوْلُهُ بَعْدُ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ أَيِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِي فِي الْأَكْلِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي اجْتِنَابَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُشْبِهُ أَعْمَالَ الشَّيَاطِينِ وَالْكُفَّارِ وَأَنَّ لِلشَّيْطَانِ يَدَيْنِ وَأَنَّهُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَأْخُذُ وَيُعْطِي وَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى فِي حَالِ الْأَكْلِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَعْلِيمِ أَدَبِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ لامتثاله الْأَمر ومواظبته على مُقْتَضَاهُ
وَقَالَ أَنَسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ هَذَا التَّعْلِيق