فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ تَوَهُّمُ التَّسْوِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ مَحَاسِنِ الْأَجْوِبَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ وَقِصَّةِ الْخَطِيبِ أَنَّ تَثْنِيَةَ الضَّمِيرِ هُنَا لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنَ الْمَحَبَّتَيْنِ لَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا وَحْدَهَا لَاغِيَةٌ إِذَا لَمْ تَرْتَبِطْ بِالْأُخْرَى فَمَنْ يَدَّعِي حُبَّ اللَّهِ مَثَلًا وَلَا يُحِبُّ رَسُولَهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ فَأَوْقَعَ مُتَابَعَتَهُ مُكْتَنِفَةً بَيْنَ قُطْرَيْ مَحَبَّةِ الْعِبَادِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِبَادِ وَأَمَّا أَمْرُ الْخَطِيبِ بِالْإِفْرَادِ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِصْيَانَيْنِ مُسْتَقِلٌّ بِاسْتِلْزَامِ الْغَوَايَةِ إِذِ الْعَطْفُ فِي تَقْدِيرِ التَّكْرِيرِ وَالْأَصْلُ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ مِنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَأَعَادَ أَطِيعُوا فِي الرَّسُولِ وَلَمْ يُعِدْهُ فِي أُولِي الْأَمْرِ لِأَنَّهُمْ لَا اسْتِقْلَالَ لَهُمْ فِي الطَّاعَةِ كَاسْتِقْلَالِ الرَّسُولِ انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ وَالطِّيبِيِّ وَمِنْهَا أَجْوِبَةٌ أُخْرَى فِيهَا تَكَلُّمٌ مِنْهَا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ وَمِنْهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَوْلُهُ وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ حَقِيقَةُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ أَنْ لَا يَزِيدَ بِالْبِرِّ وَلَا يَنْقُصَ بِالْجَفَاءِ قَوْلُهُ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ وَكَذَا هُوَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى لِلْمُصَنِّفِ وَالْإِنْقَاذُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْعِصْمَةِ مِنْهُ ابْتِدَاءٌ بِأَنْ يُولَدَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَسْتَمِرَّ أَوْ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ يَعُودُ عَلَى مَعْنَى الصَّيْرُورَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الْعود فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ عَدَّى الْعَوْدَ بِفِي وَلَمْ يُعَدِّهِ بِإِلَى فَالْجَوَابُ أَنَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ وَكَأَنَّهُ قَالَ يَسْتَقِرُّ فِيهِ وَمثله قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ لنا أَن نعود فِيهَا تَنْبِيهٌ هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَتُرِكَ الْبَتَّةَ إِلَى أَنْ قُتِلَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي الْأَدَبِ فِي فَضْلِ الْحُبِّ فِي اللَّهِ وَلَفْظُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ وَهِيَ أَبْلَغُ مِنْ لَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهُ سَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُنَا جُعِلَ الْوُقُوعُ فِي نَارِ الدُّنْيَا أَوْلَى مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي أَنْقَذَهُ الله بِالْخرُوجِ مِنْهُ من نَارِ الْأُخْرَى وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَرَّحَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ بِسَمَاعِ قَتَادَةَ لَهُ مِنْ أَنَسٍ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَنَسٍ وَزَادَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ ذِكْرَ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ وَلَفْظُهُ وَأَنْ يُحِبَّ فِي اللَّهِ وَيُبْغِضَ فِي اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَة وَالله أعلم
هُوَ مُنَوَّنٌ وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الحَدِيث السَّابِق أَنه لَا يُحِبهُ الا الله عَقَّبَهُ بِمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ حُبَّ الْأَنْصَارِ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَبَّةَ مَنْ يُحِبُّهُمْ مِنْ حَيْثُ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ النُّصْرَةُ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُمْ وَإِنْ دَخَلُوا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ لَكِنَّ التَّنْصِيصَ بِالتَّخْصِيصِ دَلِيلُ الْعِنَايَةِ
[17] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ