كَبِيرُ أَمْرٍ مِنَ الْغَيْرَةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ امْرَأَتِهِ فَهِيَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا أَنْ لَوْ كَانَتْ خَلِيَّةً مِنَ الزَّوْجِ وَجَوَازُ أَنْ يَقَعَ لَهَا مَا وَقَعَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ لُزُومُ فِرَاقِهِ لِأُخْتِهَا فَمَا بَقِيَ إِلَّا احْتِمَالُ أَنْ يَقَعَ لَهَا مِنْ بَعْضِ الرِّجَالِ مُزَاحَمَةٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَأَنْ يَنْكَشِفَ مِنْهَا حَالَةَ السَّيْرِ مَا لَا تُرِيدُ انْكِشَافَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ أَخَفُّ مِمَّا تَحَقَّقَ مِنْ تَبَذُّلِهَا بِحَمْلِ النَّوَى عَلَى رَأْسِهَا مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ خِسَّةُ النَّفْسِ وَدَنَاءَةُ الْهِمَّةِ وَقِلَّةُ الْغَيْرَةِ وَلَكِنْ كَانَ السَّبَبُ الْحَامِلُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ شَغْلَ زَوْجِهَا وَأَبِيهَا بِالْجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَأْمُرُهُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقِيمُهُمْ فِيهِ وَكَانُوا لَا يَتَفَرَّغُونَ لِلْقِيَامِ بِأُمُورِ الْبَيْتِ بِأَنْ يَتَعَاطَوْا ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ وَلِضِيقِ مَا بِأَيْدِيهِمْ عَلَى اسْتِخْدَامِ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ فَانْحَصَرَ الْأَمْرُ فِي نِسَائِهِمْ فَكُنَّ يَكْفِينَهُمْ مُؤْنَةَ الْمَنْزِلِ وَمَنْ فِيهِ لِيَتَوَفَّرُوا هُمْ عَلَى مَا هَمْ فِيهِ مِنْ نَصْرِ الْإِسْلَامِ مَعَ مَا يَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْعَادَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ عَارًا مَحْضًا قَوْلُهُ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَكَفَتْنِي وَهِيَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّهُ أَرْسَلَهَا لِذَلِكَ خَاصَّةً بِخِلَافِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَدْ وَقَعَ عِنْده فِي رِوَايَة بن أَبِي مُلَيْكَةَ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا قَالَتْ كَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَأَلْقَتْ عَنِّي مُؤْنَتَهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ السَّبْيَ لَمَّا جَاءَ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا بَكْرٍ مِنْهُ خَادِمًا لِيُرْسِلَهُ إِلَى ابْنَتِهِ أَسْمَاءَ فَصَدَقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُعْطِي وَلَكِنْ وَصَلَ ذَلِكَ إِلَيْهَا بِوَاسِطَةٍ وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا بَاعَتْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَصَدَّقَتْ بِثَمَنِهَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا اسْتَغْنَتْ عَنْهَا بِغَيْرِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْقِيَامَ بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ زَوْجُهَا مِنَ الْخِدْمَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَحَمَلَهُ الْبَاقُونَ عَلَى أَنَّهَا تَطَوَّعَتْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَازِمًا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَأَمْثَالَهَا كَانَتْ فِي حَالِ ضَرُورَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَطَّرِدُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِ حَالِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ شَكَتْ مَا تَلْقَى يَدَاهَا مِنَ الرَّحَى وَسَأَلَتْ أَبَاهَا خَادِمًا فَدَلَّهَا عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ حَمْلُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى عَوَائِدِ الْبِلَادِ فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الشَّرِيفَةَ إِذَا تَطَوَّعَتْ بِخِدْمَةِ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ لَا يَلْزَمُهَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا ذَلِكَ أَبٌ وَلَا سُلْطَانٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا أَصْلُهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَطَوُّعًا وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَعْكِسَ فَيَقُولَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا مَا سَكَتَ أَبُوهَا مَثَلًا عَلَى ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا وَلَا أَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مَعَ عَظَمَةِ الصِّدِّيقِ عِنْدَهُ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ ارْتِدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ فِي مَوْكِبِ الرِّجَالِ قَالَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا اسْتَتَرَتْ وَلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْحِجَابَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً اه وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ لَمَّا نَزَلَتْ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ أَخَذْنَ أُزُرَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي فَشَقَقْنَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا وَلَمْ تَزَلْ عَادَةُ النِّسَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَسْتُرْنَ وُجُوهَهَنَّ عَنِ الْأَجَانِبِ وَالَّذِي ذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ سِتْرُ شُخُوصِهِنَّ زِيَادَةً عَلَى سِتْرِ أَجْسَامِهِنَّ وَقَدْ ذَكَرْتُ الْبَحْثَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَفِيهِ غَيْرَةُ الرَّجُلِ عِنْدَ ابْتِذَالِ أَهْلِهِ فِيمَا يَشُقُّ مِنَ الْخِدْمَةِ وَأَنَفَةُ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ ذَاتَ حَسَبٍ انْتَهَى وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأَسْمَاءَ وَلِلزُّبَيْرِ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَلِنِسَاءِ الْأَنْصَارِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ

[5225] قَوْلُهُ حَدثنَا عَليّ هُوَ بن الْمَدِينِيّ وبن عُلَيَّةَ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ وَقَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ تَقَدَّمَ فِي الْمَظَالِمِ بَيَانُ مَنْ صَرَّحَ عَنْ حُمَيْدٍ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَنَسٍ وَكَذَا تَسْمِيَةُ الْمَرْأَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَأَنَّ الَّتِي كَانَتْ فِي بَيْتِهَا هيَ عَائِشَةُ وَأَنَّ الَّتِي هِيَ أَرْسَلَتِ الطَّعَامَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015