ثمَّ خرج إِلَيْهِم فَقَتَلُوهُ وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ دِحْيَةَ إِلَى ضُغَاطِرَ الرُّومِيَّ وَقَالَ إِنَّهُ فِي الرُّومِ أَجْوَزُ قَوْلًا مِنِّي وَإِنَّ ضُغَاطِرَ الْمَذْكُورَ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَأَلْقَى ثِيَابَهُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَلَبِسَ ثِيَابًا بِيضًا وَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ دِحْيَةُ إِلَى هِرَقْلَ قَالَ لَهُ قَدْ قُلْتُ لَكَ إِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا فَضُغَاطِرُ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَهُمْ مِنِّي قُلْتُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ رُومِيَّةَ الَّذِي أُبْهِمَ هُنَا لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا قِيلَ إِنَّ دِحْيَةَ لَمْ يَقْدَمْ عَلَى هِرَقْلَ بِهَذَا الْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِنَّمَا قَدِمَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَالرَّاجِحُ أَنَّ دِحْيَةَ قَدِمَ عَلَى هِرَقْلَ أَيْضًا فِي الْأُولَى فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ لِكُلٍّ مِنَ الْأُسْقُفِّ وَمِنْ ضُغَاطِرَ قِصَّةٌ قُتِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِسَبَبِهَا أَوْ وَقَعَتْ لِضُغَاطِرَ قِصَّتَانِ إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكرهَا بن النَّاطُورِ وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَا أَنَّهُ قتل وَالثَّانيَِة الَّتِي ذكرهَا بن إِسْحَاقَ فَإِنَّ فِيهَا قِصَّتَهُ مَعَ دِحْيَةَ وَأَنَّهُ أَسْلَمَ وَقُتِلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ لِأَنَّهَا كَانَتْ دَارَ مُلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَانَتْ فِي زَمَانِهِمْ أَعْظَمُ مِنْ دِمَشْقَ وَكَانَ فَتْحُهَا عَلَى يَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ قَوْلُهُ وَأَنَّهُ نَبِيٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِرَقْلَ وَصَاحِبَهُ أَقَرَّا بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ هِرَقْلَ كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ صَاحِبِهِ قَوْلُهُ فَأَذِنَ هِيَ بِالْقَصْرِ مِنَ الْإِذْنِ وَفِي رِوَايَةِ المستملى وَغَيره بِالْمدِّ وَمَعْنَاهُ أعلم والدسكرة بِسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْقَصْرُ الَّذِي حَوْلَهُ بُيُوتٌ وَكَأَنَّهُ دَخَلَ الْقَصْرَ ثُمَّ أَغْلَقَهُ وَفَتَحَ أَبْوَابَ الْبُيُوتِ الَّتِي حَوْلَهُ وَأَذِنَ لِلرُّومِ فِي دُخُولِهَا ثُمَّ أَغْلَقَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَخَاطَبَهُمْ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَثِبُوا بِهِ كَمَا وَثبُوا بضغاطر قَوْله والرشد بفتحتتين وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ لِأَنَّهُمْ إِنْ تَمَادَوْا عَلَى الْكُفْرِ كَانَ سَبَبًا لِذَهَابِ مُلْكِهِمْ كَمَا عَرِفَ هُوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ قَوْلُهُ فَتُبَايِعُوا بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِمُثَنَّاتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ وَلِلْأَصِيلِيِّ فَنُبَايِعُ بِنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ لِهَذَا النَّبِيِّ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ بِحَذْفِ اللَّامِ قَوْلُهُ فَحَاصُوا بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ نَفَرُوا وَشَبَّهَهُمْ بِالْوُحُوشِ لِأَنَّ نَفْرَتَهَا أَشَدُّ مِنْ نَفْرَةِ الْبَهَائِمِ الْإِنْسِيَّةِ وَشَبَّهَهُمْ بِالْحُمْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْوُحُوشِ لِمُنَاسَبَةِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الْفِطْنَةِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ قَوْلُهُ وَأِيسَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَيَئِسَ بِيَائَيْنِ تَحْتَانِيَّتَيْنِ وَهُمَا بِمَعْنَى قَنَطَ وَالْأَوَّلُ مَقْلُوبٌ مِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ مِنَ الْإِيمَانِ أَيْ مِنْ إِيمَانِهِمْ لِمَا أَظْهَرُوهُ وَمِنْ إِيمَانِهِ لِأَنَّهُ شَحَّ بِمُلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُطِيعُوهُ فَيَسْتَمِرَّ مُلْكُهُ وَيَسْلَمَ وَيَسْلَمُوا بِإِسْلَامِهِمْ فَمَا أِيسَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي أَرَادَهُ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَفِرَّ عَنْهُمْ وَيَتْرُكَ مُلْكَهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ قَوْلُهُ فَقَدْ رَأَيْتُ زَادَ فِي التَّفْسِيرِ فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ قَوْلُهُ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بدعائه إِلَى الْإِيمَان خَاصَّة لَا أَنه انْقَضَى أَمْرُهُ حِينَئِذٍ وَمَاتَ أَوْ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْآخِرِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ وَهَذَا أَوْجَهُ لِأَنَّ هِرَقْلَ وَقَعَتْ لَهُ قِصَصٌ أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَجْهِيزِهِ الْجُيُوشَ إِلَى مُؤْتَةَ وَمِنْ تَجْهِيزِهِ الْجُيُوشَ أَيْضًا إِلَى تَبُوكَ وَمُكَاتَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثَانِيًا وَإِرْسَالِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَهَبٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ أَصْحَابه كَمَا فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا قَبْلُ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ التَّنُوخِيِّ رَسُولِ هِرَقْلَ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ فَبَعَثَ دِحْيَةَ إِلَى هِرَقْلَ فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِتَابُ دَعَا قِسِّيسِي الرُّومِ وَبَطَارِقَتَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَتَحَيَّرُوا حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَجَ مِنْ بُرْنُسِهِ فَقَالَ اسْكُتُوا فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ تَمَسُّكَكُمْ بِدِينِكُمْ وروى بن إِسْحَاق عَن خَالِد بن بشار عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ الشَّامِ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ عَرَضَ عَلَى الرُّومِ أُمُورًا إِمَّا الْإِسْلَامَ