الِانْفِصَالِ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ وَهِرَقْلُ مَعْطُوفٌ عَلَى إِيلِيَاءَ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الصُّحْبَةَ لَهُ إِمَّا بِمَعْنَى التَّبَعِ وَإِمَّا بِمَعْنَى الصَّدَاقَةِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ صَاحِبٍ فِي مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيٍّ وَحَقِيقِيٍّ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِيلِيَاءَ أَمِيرٌ وَذَاكَ مَجَازٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى هِرَقْلَ تَابِعٌ وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَإِرَادَةُ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى إِرَادَةِ مَعْنًى شَامِلٍ لَهُمَا وَهَذَا يُسَمَّى عُمُومَ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ سُقُفًّا بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ كَذَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خبر كَانَ وَيحدث خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ سُقِّفَ بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ مِثْلُهُ لَكِنْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ وَالْأُسْقُفُّ وَالسُّقْفُ لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ وَمَعْنَاهُ رَئِيسُ دِينِ النَّصَارَى وَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ الطَّوِيلُ فِي انْحِنَاءٍ وَقِيلَ ذَلِكَ لِلرَّئِيسِ لِأَنَّهُ يَتَخَاشَعُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي وَزْنِهِ إِلَّا الْأُسْرُبُّ وَهُوَ الرَّصَاصُ لَكِنْ حَكَى بن سِيدَهْ ثَالِثًا وَهُوَ الْأُسْكُفُّ لِلصَّانِعِ وَلَا يَرِدُ الْأُتْرُجُّ لِأَنَّهُ جَمْعٌ وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُفْرَدِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ يَكُونُ الْخَبَرُ الْجُمْلَةَ الَّتِي هِيَ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سُفْيَانَ بِطُولِهِ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ بن النَّاطُورِ يُحَدِّثُ وَهَذَا صُورَةُ الْإِرْسَالِ قَوْلُهُ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَهِيَ عِنْدَ غَلَبَةِ جُنُودِهِ عَلَى جُنُودِ فَارِسَ وَإِخْرَاجِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي اعْتَمَرَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ نَصْرَةُ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ فَفَرِحُوا وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ الْقِصَّةَ مُسْتَوْفَاةً فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله وَفِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ خَبِيثُ النَّفْسِ أَيْ رَدِيء النَّفس غَيْرُ طَيِّبِهَا أَيْ مَهْمُومًا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي كَسَلِ النَّفْسِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي كَأَنَّهُ كَرِهَ اللَّفْظَ وَالْمُرَادُ بِالْخِطَابِ الْمُسْلِمُونَ وَأَمَّا فِي حَقِّ هِرَقْلَ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَصرح فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ بِقَوْلِهِمْ لَهُ لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَهْمُومًا وَالْبَطَارِقَةُ جَمْعُ بِطْرِيقٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُمْ خَوَاصُّ دَوْلَةِ الرُّومِ قَوْلُهُ حَزَّاءً بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ آخِرُهُ هَمْزَةٌ مُنَوَّنَةٌ أَيْ كَاهِنًا يُقَالُ حَزَا بِالتَّخْفِيفِ يَحْزُو حَزْوًا أَيْ تَكَهَّنَ وَقَوْلُهُ يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ إِنْ جَعَلْتَهَا خَبَرًا ثَانِيًا صَحَّ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ جَعَلْتَهَا تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ فَالْكَهَانَةُ تَارَةً تَسْتَنِدُ إِلَى إِلْقَاءِ الشَّيَاطِينِ وَتَارَةً تُسْتَفَادٌ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ وَكَانَ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَائِعًا ذَائِعًا إِلَى أَنْ أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فَانْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُمْ وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ هِرَقْلُ مِنْ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَوْلِدَ النَّبَوِيَّ كَانَ بِقِرَانِ الْعُلْوِيَّيْنِ بِبُرْجِ الْعَقْرَبِ وَهُمَا يَقْتَرِنَانِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ سنة مرّة إِلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْمُثَلَّثَةُ بُرُوجَهَا فِي سِتِّينَ سَنَةً فَكَانَ ابْتِدَاءُ الْعِشْرِينَ الْأُولَى الْمَوْلِدَ النَّبَوِيَّ فِي الْقِرَانِ الْمَذْكُورِ وَعِنْدَ تَمَامِ الْعِشْرِينَ الثَّانِيَةَ مَجِيءُ جِبْرِيلَ بِالْوَحْيِ وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّالِثَةِ فَتْحُ خَيْبَرَ وَعُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ الَّتِي جَرَّتْ فَتْحَ مَكَّةَ وَظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ رَأَى هِرَقْلُ مَا رَأَى وَمِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا أَنَّ بُرْجَ الْعَقْرَبِ مَائِيٌّ وَهُوَ دَلِيلُ مُلْكِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَخْتَتِنُونَ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى انْتِقَالِ الْمُلْكِ إِلَى الْعَرَبِ وَأَمَّا الْيَهُودُ فَلَيْسُوا مُرَادًا هُنَا لِأَنَّ هَذَا لِمَنْ يُنْقَلُ إِلَيْهِ الْمُلْكُ لَا لِمَنِ انْقَضَى مُلْكُهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ سَاغَ لِلْبُخَارِيِّ إِيرَادُ هَذَا الْخَبَرَ الْمُشْعِرَ بِتَقْوِيَةِ أَمْرِ الْمُنَجِّمِينَ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ قَصَدَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْإِشَارَاتِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ وَعَلَى لِسَانِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ كَاهِنٍ أَوْ مُنَجِّمٍ مُحِقٍّ أَوْ مُبْطِلٍ إِنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ عَالِمٌ أَوْ يَجْنَحُ إِلَيْهِ مُحْتَجٌّ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْحَزَّاءَ هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي الْأَعْضَاءِ وَفِي خَيَلَانِ الْوَجْهِ فَيَحْكُمُ عَلَى صَاحِبِهَا بِطَرِيقِ الْفَرَاسَةِ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حَصْرُهُ فِي ذَلِكَ بَلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015