الرئيس بلغَة أهل الْيمن وَهُوَ بن خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَسْلَمَ قَدِيمًا وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَى هِرَقْلَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَوَقَعَ فِي تَارِيخِ خَلِيفَةَ أَنَّ إِرْسَالَ الْكِتَابِ إِلَى هِرَقْلَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ بَلْ هَذَا غَلَطٌ لِتَصْرِيحِ أَبِي سُفْيَانَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ وَالْهُدْنَةُ كَانَتْ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ اتِّفَاقًا وَمَاتَ دِحْيَةُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَبُصْرَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْقَصْرُ مَدِينَةٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَدِمَشْقَ وَقِيلَ هِيَ حَوْرَانُ وَعَظِيمُهَا هُوَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيُّ وَفِي الصَّحَابَةِ لِابْنِ السَّكَنِ أَنَّهُ أُرْسِلَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ مَعَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَكَانَ عَدِيٌّ إِذْ ذَاكَ نَصْرَانِيًّا فَوَصَلَ بِهِ هُوَ وَدِحْيَةُ مَعًا وَكَانَتْ وَفَاةُ الْحَارِثِ الْمَذْكُورِ عَامَ الْفَتْحِ قَوْلُهُ مِنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَبْدَأَ الْكِتَابَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ بَلْ حَكَى فِيهِ النَّحَّاسُ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالْحَقُّ إِثْبَاتُ الْخِلَافِ وَفِيهِ أَنَّ مِنْ الَّتِي لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ تَأْتِي مِنْ غَيْرِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَذَا قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا هُنَا أَيْضًا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ ذَلِكَ لَكِنْ بِارْتِكَابِ مجَاز زَاد فِي حَدِيث دحْيَة وَعِنْده بن أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبْطُ الرَّأْسِ وَفِيهِ لما قَرَأَ الْكتاب سخر فَقَالَ لاتقرأه إِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ قَيْصَرُ لَتَقْرَأَنَّهُ فَقَرَأَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ هُوَ نَاوَلَ الْكِتَابَ لِقَيْصَرَ وَلَفْظُهُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِهِ إِلَى قَيْصَرَ فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ قَوْلُهُ عَظِيمِ الرُّومِ فِيهِ عُدُولٌ عَنْ ذِكْرِهِ بِالْمُلْكِ أَوِ الْإِمْرَةِ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يُخْلِهِ مِنْ إِكْرَامٍ لِمَصْلَحَةِ التَّأَلُّفِ وَفِي حَدِيثِ دحْيَة أَن بن أَخِي قَيْصَرَ أَنْكَرَ أَيْضًا كَوْنَهُ لَمْ يَقُلْ مَلِكُ الرُّومِ قَوْلُهُ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ السَّلَامُ بِالتَّعْرِيفِ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَهَارُونَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُمِرَا بِهِ أَنْ يَقُولَاهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُبْدَأُ الْكَافِرُ بِالسَّلَامِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّحِيَّةَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ سَلِمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَنْ أَسْلَمَ وَلِهَذَا جَاءَ بَعْدَهُ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَكَذَا جَاءَ فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْكِتَابِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ فَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمْ يَبْدَأِ الْكَافِرَ بِالسَّلَامِ قَصْدًا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يُشْعِرُ بِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُرَادِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنِ اتَّبَعَ الْهُدَى فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَمَّا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ وَتُسْتَعْمَلُ لِتَفْصِيلِ مَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا غَالِبًا وَقَدْ تَرِدُ مُسْتَأْنَفَةً لَا لِتَفْصِيلٍ كَالَّتِي هُنَا وَلِلتَّفْصِيلِ وَالتَّقْرِيرِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ هِيَ هُنَا لِلتَّفْصِيلِ وَتَقْدِيرُهُ أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَهُوَ اسْمُ اللَّهِ وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَهُوَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ إِلَخْ كَذَا قَالَ وَلَفْظَةُ بَعْدُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ تُفْتَحَ لَوِ اسْتَمَرَّتْ عَلَى الْإِضَافَةِ لَكِنَّهَا قُطِعَتْ عَنِ الْإِضَافَةِ فَبُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ قَوْلِكَ دَعَا يَدْعُو دِعَايَةً نَحْوَ شَكَا يَشْكُو شِكَايَةً وَلِمُسْلِمٍ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ أَيْ بِالْكَلِمَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَالْبَاءُ مَوْضِعُ إِلَى وَقَوْلُهُ أَسْلِمْ تَسْلَمْ غَايَةٌ فِي الْبَلَاغِ وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْبَدِيعِ وَهُوَ الْجِنَاسُ الِاشْتِقَاقِيُّ قَوْلُهُ يُؤْتِكَ جَوَابٌ ثَانٍ لِلْأَمْرِ وَفِي الْجِهَادِ لِلْمُؤَلِّفِ أَسْلِمْ أَسْلِمْ يُؤْتِكَ بِتَكْرَارِ أَسْلِمْ فَيُحْتَمَلُ التَّأْكِيدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَالثَّانِي لِلدَّوَامِ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّه وَرَسُوله الْآيَةَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أجرهم مرَّتَيْنِ الْآيَةَ وَإِعْطَاؤُهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ لِكَوْنِهِ كَانَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَضْعِيفُ الْأَجْرِ لَهُ مِنْ جِهَةِ إِسْلَامِهِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ إِسْلَامَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِ أَتْبَاعِهِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَانَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ فِي حُكْمِهِمْ فِي الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبَائِحِ لِأَنَّ هِرَقْلَ هُوَ وَقَوْمَهُ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَقَدْ قَالَ لَهُ وَلِقَوْمِهِ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُمْ