تُسَمَّى التَّفْسِيرِيَّةَ وَلَيْسَتِ التَّعْقِيبِيَّةَ لِأَنَّ مَجِيءَ الْمَلَكِ لَيْسَ بَعْدَ مَجِيءِ الْوَحْيِ حَتَّى تُعَقَّبَ بِهِ بَلْ هُوَ نَفْسُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَفْسِيرِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ بَلِ التَّفْسِيرُ عَيْنُ الْمُفَسَّرِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ وَغَيْرُهُ مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ قَوْلُهُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ ثَلَاثًا مَا نَافِيَةٌ إِذْ لَوْ كَانَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً لَمْ يَصْلُحْ دُخُولُ الْبَاءِ وَإِنْ حُكِيَ عَنِ الْأَخْفَشِ جَوَازُهُ فَهُوَ شَاذٌّ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ أَيْ مَا أُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا قِيلَ لَهُ أَقرَأ بأسم رَبك أَيْ لَا تَقْرَؤُهُ بِقُوَّتِكَ وَلَا بِمَعْرِفَتِكَ لَكِنْ بِحَوْلِ رَبِّكَ وَإِعَانَتِهِ فَهُوَ يُعَلِّمُكَ كَمَا خَلَقَكَ وَكَمَا نَزَعَ عَنْكَ عَلَقَ الدَّمِ وَغَمْزَ الشَّيْطَانِ فِي الصِّغَرِ وَعَلَّمَ أُمَّتَكَ حَتَّى صَارَتْ تَكْتُبُ بِالْقَلَمِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أُمِّيَّةً ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ وَهُوَ قَوْلُهُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ وَرَدَّهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ وَالتَّأْكِيدَ وَالتَّقْدِيرُ لَسْتُ بِقَارِئٍ الْبَتَّةَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا أَجَابَ أَبُو شَامَةَ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ أَو لَا مَا أَنا بقارئ علىالامتناع وَثَانِيًا عَلَى الْإِخْبَارِ بِالنَّفْيِ الْمَحْضِ وَثَالِثًا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ فِي مَغَازِيهِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ كَيْفَ أَقْرَأُ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ بن إِسْحَاقَ مَاذَا أَقْرَأُ وَفِي مُرْسَلِ الزُّهْرِيِّ فِي دَلَائِل الْبَيْهَقِيّ كَيفَ أَقرَأ وكل ذَلِكَ يُؤَيِّدُ أَنَّهَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَغَطَّنِي بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ كَأَنَّهُ أَرَادَ ضَمَّنِي وَعَصَرَنِي وَالْغَطُّ حَبْسُ النَّفَسِ وَمِنْهُ غَطَّهُ فِي الْمَاءِ أَوْ أَرَادَ غَمَّنِي وَمِنْهُ الْخَنْقُ وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ فَأَخَذَ بِحَلْقِي قَوْلُهُ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ رُوِيَ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْبِ أَيْ بَلَغَ الْغَطُّ مِنِّي غَايَةَ وُسْعِي وَرُوِيَ بِالضَّمِّ وَالرَّفْعِ أَيْ بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ مَبْلَغَهُ وَقَوْلُهُ أَرْسَلَنِي أَيْ أَطْلَقَنِي وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَهْدَ هُنَا فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ فَرَجَعَ بِهَا أَيْ بِالْآيَاتِ أَوْ بِالْقِصَّةِ قَوْلُهُ فَزَمَّلُوهُ أَيْ لَفُّوهُ وَالرَّوْعُ بِالْفَتْحِ الْفَزَعُ قَوْلُهُ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي دَلَّ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ عَلَى انْفِعَالٍ حَصَلَ لَهُ مِنْ مَجِيءِ الْمَلَكِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ زَمِّلُونِي وَالْخَشْيَةُ الْمَذْكُورَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا أَوَّلُهَا الْجُنُونُ وَأَنْ يَكُونَ مَا رَآهُ مِنْ جِنْسِ الْكَهَانَةِ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي عِدَّةِ طُرُقٍ وَأَبْطَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَحُقَّ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ لَكِنْ حَمَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ قَبْلَ حُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ لَهُ أَنَّ الَّذِي جَاءَهُ مَلَكٌ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ثَانِيهَا الْهَاجِسُ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ وَهَذَا اسْتَقَرَّ وَحَصَلَتْ بَيْنَهُمَا الْمُرَاجَعَةُ ثَالِثُهَا الْمَوْتُ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ رَابِعُهَا الْمَرَضُ وَقد جزم بِهِ بن أَبِي جَمْرَةَ خَامِسُهَا دَوَامُ الْمَرَضِ سَادِسُهَا الْعَجْزُ عَنْ حَمْلِ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ سَابِعُهَا الْعَجْزُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْمَلَكِ مِنَ الرُّعْبِ ثَامِنُهَا عَدَمُ الصَّبْرِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ تَاسِعُهَا أَنْ يَقْتُلُوهُ عَاشِرُهَا مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ حَادِيَ عَشَرِهَا تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاهُ ثَانِيَ عَشَرِهَا تَعْيِيرُهُمْ إِيَّاهُ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ وَأَسْلَمُهَا مِنَ الِارْتِيَابِ الثَّالِثُ وَاللَّذَانِ بَعْدَهُ وَمَا عَدَاهَا فَهُوَ مُعْتَرَضٌ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلَّا مَعْنَاهَا النَّفْيُ وَالْإِبْعَادُ وَيَحْزُنْكَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْمَضْمُومَةِ وَالنُّونِ مِنَ الْحُزْنِ وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ مِنَ الْخِزْيِ ثُمَّ اسْتَدَلَّتْ عَلَى مَا أَقْسَمَتْ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ أَبَدًا بِأَمْرٍ اسْتِقْرَائِيٍّ وَصَفَتْهُ بِأُصُولِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ إِمَّا إِلَى الْأَقَارِبِ أَوْ إِلَى الْأَجَانِبِ وَإِمَّا بِالْبَدَنِ أَوْ بِالْمَالِ وَإِمَّا عَلَى مَنْ يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِهِ أَوْ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَجْمُوعٌ فِيمَا وَصَفَتْهُ بِهِ وَالْكَلُّ بِفَتْحِ الْكَافِ هُوَ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ وَقَوْلُهَا وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَتُكْسِبُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَعَلَيْهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّوَابُ الْمُعْدِمُ بِلَا وَاوٍ أَيِ الْفَقِيرُ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَكْسِبُ قُلْتُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى المعدم الْمَعْدُوم لكَونه كَالْمَعْدُومِ الْمَيِّت الَّذِي لاتصرف لَهُ وَالْكَسْبُ هُوَ الِاسْتِفَادَةُ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ إِذَا رَغِبَ غَيْرُكَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالًا مَوْجُودًا رَغِبْتَ أَنْتَ أَنْ تَسْتَفِيدَ رَجُلًا عَاجِزًا فَتُعَاوِنَهُ وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدَّلَائِلِ قَوْلُهُ يَكْسِبُ