قَوْلِهِ كَذَبْتَ أَيْ فِي قَوْلِكِ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتَ عُنُقَهُ فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَأَنَّهُ جَزَمَ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ كَانَ مِنْ رَهْطِهِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ رَهْطِهِ إِنْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ وَإِلَّا فَلَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ بَلِ الَّذِي نعتقده على الْعَكْس بِمَا نَطَقْتَ بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ إِنْ كَانَ مِنْ رَهْطِكِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ وَلَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ رَهْطِكِ فَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ يُقْتَلَ وَهَذَا بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَذَبْتَ لَا تَقْتُلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْعَل حِكْمَة إِلَيْك فَذَلِك لَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَهُوَ حَمْلٌ جَيِّدٌ وَقَدْ بَيَّنَتِ الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى السَّبَبَ الْحَامِلَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى مَا قَالَ فَفِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَا قُلْتُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَّا أَنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ مِنَ الْخَزْرَج وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا بْنَ مُعَاذٍ وَاللَّهِ مَا بِكِ نُصْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا ضَغَائِنُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِحَنٌ لَمْ تَحْلُلْ لنا من صدوركم فَقَالَ بن مُعَاذٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَدْتُ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ إِنَّمَا طَلَبْتَ بِهِ دُخُولَ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ بن التِّين قَول بن مُعَاذٍ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوْسَ قَوْمُهُ وَهُمْ بَنو النجار وَلم يقل فِي الْخَزْرَجِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنَ التَّشَاحُنِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ زَالَ بِالْإِسْلَامِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ بِحُكْمِ الْأَنَفَةِ قَالَ فَتَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِحُكْمِ الْأَنَفَةِ وَنَفَى أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُوَ مِنَ الْأَوْسِ قَالَ وَلَمْ يُرِدْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الرِّضَا بِمَا نُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَإِنَّمَا بِمَعْنى قَوْلِ عَائِشَةَ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا أَيْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُقُوفِ مَعَ أَنَفَةِ الْحَمِيَّةِ وَلَمْ تَرِدْ أَنَّهُ نَاضَلَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ بَنِي النَّجَّارِ قَوْمُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَطَأٌ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ رَهْطِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَلَمْ يَجْرِ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ذِكْرٌ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ مَا دَارَ بَيْنَ السَّعْدَيْنِ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ فَارْتَكَبَ شَطَطًا فَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَا تَقْتُلْهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ أَيْ إِنْ كَانَ من الْأَوْس وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن بن مُعَاذٍ لَمْ يَقُلْ فِي الْخَزْرَجِيِّ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْأَوْسِيِّ فَدَلَّ عَلَى أَن بن عُبَادَةَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَمِيَّةً لِقَوْمِهِ إِذْ لَوْ كَانَ حَمِيَّةً لَمْ يُوَجِّهْهَا رَهْطَ غَيْرِهِ قَالَ وَسَبَبُ قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي خَاضَ فِي الْإِفْكِ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَأَرَادَ أَنَّ بَقِيَّةَ قَوْمِهِ يَمْنَعُونَهُ مِنْهُ إِذَا أَرَادَ قَتْلَهُ إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَقُلْ مَا لَا تَفْعَلُ وَلَا تَعُدِّ بِمَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ مُنْزَعِجَةُ الْخَاطِرِ لِمَا دَهَمَهَا مِنَ الْأَمْرِ فَقَدْ يَقَعُ فِي فَهْمِهَا مَا يَكُونُ أَرْجَحُ مِنْهُ وَعَنْ قَوْلِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ الْآتِي بِأَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ بن عُبَادَةَ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ مَحْمَلًا سَائِغًا انْتَهَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّعَسُّفِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ ذَلِكَ وَهِيَ مُنْزَعِجَةُ الْخَاطِرِ مَرْدُودٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَتْ حَدَّثَتْ بِذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا إِنَّمَا حَدَّثَتْ بِهَا بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ حَتَّى سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهَا عُرْوَةُ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّابِعِينَ كَمَا قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ ذَلِك الانزعاج وَزَالَ وَانْقَضَى وَالْحَقُّ أَنَّهَا فَهِمَتْ ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِهِ بِقَرَائِنِ الْحَالِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ مَعَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمْ يَقُلْ بِقَتْلِهِ كَمَا قَالَ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوْسِ فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فهم أَن قَول بن مُعَاذٍ أَمَرْتَنَا بِأَمْرِكَ أَيْ إِنْ أَمَرْتَنَا بِأَمْرِكَ أَيْ أَمَرْتَنَا بِقَتْلِهِ قَتَلْنَاهُ وَإِنْ أَمَرْتَ قَوْمُهُ بِقَتْلِهِ قَتَلُوهُ فَنَفَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قُدْرَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَلَى قَتْلِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ غَيْرَ قَوْمِهِ بِقَتْلِهِ فَكَأَنَّهُ أَيْأَسَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ قَتْلِهِ وَذَلِكَ بِحُكْمِ الْحَمِيَّةِ الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا عَائِشَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا فَهِمَهُ الْمَذْكُورُ أَنَّهُ يَرُدُّ أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ وَلَا يَمْتَثِلُهُ حَاشَا لِسَعْدٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدِ اعْتَذَرَ الْمَازِرِيُّ عَنْ قَوْلِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ إِنَّكَ مُنَافِقٌ أَنَّ ذَلِك