أَنْكَرَتِ الْقِرَاءَةَ بِالتَّخْفِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلرُّسُلِ وَلَيْسَ الضَّمِيرُ لِلرُّسُلِ عَلَى مَا بَيَّنْتُهُ وَلَا لِإِنْكَارِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ مَعْنًى بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَلَعَلَّهَا لَمْ يَبْلُغُهَا مِمَّنْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ أَئِمَّةُ الْكُوفَةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَاصِمٌ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَوَافَقَهُمْ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ أَبُو جَعْفَرِ بْنِ الْقَعْقَاع وَهِي قِرَاءَة بن مَسْعُود وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ الْقُرَظِيِّ فِي آخَرِينَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَمْ تُنْكِرْ عَائِشَةُ الْقِرَاءَةَ وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ تَأْوِيل بن عَبَّاسٍ كَذَا قَالَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَظَاهِرُ السِّيَاق أَن عُرْوَة كَانَ يُوَافق بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ عَائِشَةَ ثُمَّ لَا يَدْرِي رَجَعَ إِلَيْهَا أَمْ لَا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقْرَأُ كُذِبُوا بِالتَّخْفِيفِ فَقَالَ أَخْبِرْهُ عَنِّي أَنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ كُذِّبُوا مُثَقَّلَةٌ أَيْ كَذَّبَتْهُمْ أَتْبَاعُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ من طَرِيق بن أبي مليكَة قَالَ قَالَ بن عَبَّاس حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا خَفِيفَةٌ قَالَ ذَهَبَ بِهَا هُنَالِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِمَا هُنَالِكَ بِمِيمٍ بَدَلَ الْهَاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ ذهب هَا هُنَا وَأَشَارَ إلىالسماء وتلا حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ الله قريب وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته ثمَّ قَالَ بن عَبَّاسٍ كَانُوا بَشَرًا ضَعُفُوا وَأَيِسُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قد كذبُوا وَهَذَا ظَاهره أَن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ مَقُولُ الرَّسُولِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْجَمِيعُ مَقُولُ الْجَمِيعِ وَقِيلَ الْجُمْلَةُ الْأُولَى مَقُولُ الْجَمِيعِ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَقَالَ آخَرُونَ الْجُمْلَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَتَى نصر الله مَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَالْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ الا أَن نصر الله قريب مَقُولُ الرَّسُولِ وَقُدِّمَ الرَّسُولُ فِي الذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَهَذَا أَوْلَى وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَيْسَ قَوْلُ الرَّسُولِ مَتى نصر الله شَكًّا بَلِ اسْتِبْطَاءً لِلنَّصْرِ وَطَلَبًا لَهُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي قَالَ الْخطابِيّ لَا شكّ أَن بن عَبَّاسٍ لَا يُجِيزُ عَلَى الرُّسُلِ أَنَّهَا تُكَذِّبُ بِالْوَحْيِ وَلَا يُشَكُّ فِي صِدْقِ الْمُخْبِرِ فَيُحْمَلُ كَلَامه على أَنه أَرَادَ أَنهم لِطُولِ الْبَلَاءِ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَاءِ النَّصْرِ وَشِدَّةِ اسْتِنْجَازِ مَنْ وَعَدُوهُ بِهِ تَوَهَّمُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنَ الْوَحْيِ كَانَ حُسْبَانًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَظَنُّوا عَلَيْهَا الْغَلَطَ فِي تَلَقِّي مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الَّذِي بُنِيَ لَهُ الْفِعْلُ أَنْفُسُهُمْ لَا الْآتِي بِالْوَحْيِ وَالْمُرَادُ بِالْكَذِبِ الْغَلَطُ لَا حَقِيقَةُ الْكَذِبِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ كَذَبَتْكَ نَفْسُكَ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ مُجَاهِدٌ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قد كذبُوا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَعَ التَّخْفِيفِ أَيْ غَلِطُوا وَيَكُونُ فَاعِلُ وَظَنُّوا الرُّسُلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَتْبَاعُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ بِأَسَانِيدَ مُتَنَوِّعَةٍ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الضُّحَى وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيِّ كلهم عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ أَيِسَ الرُّسُلُ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ وَظَنَّ قَوْمُهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ إِنْ صَحَّ هَذَا عَنِ بن عَبَّاسٍ فَقَدْ أَرَادَ بِالظَّنِّ مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَيَهْجِسُ فِي النَّفْسِ مِنَ الْوَسْوَسَةِ وَحَدِيثُ النَّفْسِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَشَرِيَّةُ وَأَمَّا الظَّنُّ وَهُوَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ فَضْلًا عَنِ الرَّسُولِ وَقَالَ أَبُو نَصْرِ الْقُشَيْرِيُّ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْمُرَادَ خَطَرَ بِقَلْبِ الرُّسُلِ فَصَرَفُوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَوِ الْمَعْنَى قَرَّبُوا مِنَ الظَّنِّ كَمَا يُقَالُ بَلَغْتُ الْمَنْزِلَ إِذَا قَرُبَتْ مِنْهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ وَجْهُهُ أَنَّ الرُّسُلَ كَانَتْ تَخَافُ بَعْدَ أَنْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ النَّصْرَ أَنْ يَتَخَلَّفُ النَّصْرُ لَا مِنْ تُهْمَةٍ بِوَعْدِ اللَّهِ بَلْ لِتُهْمَةِ النُّفُوسِ أَنْ تَكُونَ قَدْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا يَنْقُضُ ذَلِكَ الشَّرْطَ فَكَانَ الْأَمْرُ إِذَا طَالَ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَيْهِمْ دَخَلَهُمُ الظَّنُّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ قُلْتُ وَلَا يُظَنُّ بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُجَوِّزُ عَلَى الرَّسُولِ أَنَّ نَفْسَهُ تُحَدِّثُهُ بِأَن الله