عَمِلَ فِيمَا بَعْدَهَا قَوْلُهُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ أَيْ جَعَلَ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله تَعَالَى يَا قوم ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ أَي جعل الله لكم وَقضى وَعَن بن إِسْحَاقَ كَتَبَ لَكُمْ أَيْ وَهَبَ لَكُمْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَمَرَ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَدَّرَهَا لِسُكْنَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَرِدُ كَوْنُ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ لَمْ يَسْكُنُوهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُهُمْ بَلْ قَدْ سَكَنَهَا بَعْضُ أُولَئِكَ كَيُوشَعَ وَهُوَ مِمَّنْ خُوطِبَ بِذَلِكَ قَطْعًا قَوْلُهُ تَبُوءَ تَحْمِلَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك أَيْ تَحْمِلَ إِثْمِي وَإِثْمَكَ قَالَ وَلَهُ تَفْسِيرٌ آخَرُ تَبُوءَ أَيْ تُقِرَّ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ إِنِّي أُرِيدَ أَنْ تَبُوءَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتُكَ وَدَمِي قَالَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إِثْمِي أَيْ إِثْمُ قَتْلِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَتْلَ يَمْحُوَ خَطَايَا الْمَقْتُولِ وَتُحْمَلُ عَلَى الْقَاتِلِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ يُوَفَّى مِنْهَا الْمَقْتُولُ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْإِغْرَاءُ التَّسْلِيطُ هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا وَلَمْ أَعْرِفِ الْغَيْرَ وَلَا مَنْ عَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ بِنَقْلِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحَدٍ نَعَمْ سَقَطَ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَكَأَنَّهُ أَصْوَبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَقَالَ غَيْرُ مَنْ فَسَّرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْفربرِي بِالْإِجَازَةِ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ مَخْمَصَةٌ مَجَاعَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ الْإِغْرَاءُ التَّسْلِيطُ وَهَذَا أوجه وَتَفْسِير الْمَخْمَصَةِ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْأُخْرَى بَعْدَ هَذَا وَقد وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي وَضْعِ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ وَقَعَ مِمَّنْ نَسَخَ كِتَابَ الْبُخَارِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرَ مرّة وَلَا يضر ذَلِك غَالِبا وَتَفْسِير الإغراء بالتسليط يلازم معنى الإغراء لِأَن حَقِيقَةُ الْإِغْرَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّهْيِيجُ للافساد وَقد روى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَأَغْرَيْنَا قَالَ أَلْقَيْنَا وَهَذَا تَفْسِيرٌ بِمَا وَقَعَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ أُجُورَهُنَّ مُهُورَهُنَّ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ الْمُهَيْمِنُ الْقُرْآنُ أَمِينٌ على كل كتاب قبله أورد بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ومهيمنا عَلَيْهِ قَالَ الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ كَانَ قَبْلَهُ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ أربدة التَّمِيمِي عَن بن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ومهيمنا عَلَيْهِ قَالَ مؤتمنا عَلَيْهِ وَقَالَ بن قُتَيْبَةَ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مُهَيْمِنًا مُفَيْعِلٌ مِنْ أَيْمَنَ قُلِبَتْ هَمْزَتُهُ هَاءً وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ثَعْلَبٌ فَبَالَغَ حَتَّى نَسَبَ قَائِلَهُ إِلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ الْمُهَيْمِنَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُصَغَّرُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مُبْدَلًا مِنْ شَيْءٍ وَأَصْلُ الْهَيْمَنَةِ الْحِفْظُ وَالِارْتِقَابُ تَقُولُ هَيْمَنَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا صَارَ رَقِيبًا عَلَيْهِ فَهُوَ مُهَيْمِنٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لم يَجِيء فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ مُبَيْطِرٌ وَمُسَيْطِرٌ وَمُهَيْمِنٌ وَمُبَيْقِرٌ قَوْلُهُ وَقَالَ سُفْيَانُ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِ الْفَرَائِضِ فَقَدْ أَخَلَّ بِالْجَمِيعِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَطْلَقَ كَوْنَهَا أَشَدَّ مِنْ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا كَانَ عَلَى أَهْلِ الْكتاب من الإصر وَقد روى بن أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَبَبٍ خَاصٍّ فَأَخْرَجَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَحْبَارِ فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّك على مِلَّة إِبْرَاهِيم وتؤمن بِمَا فِي التَّوْرَاة وَتشهد أَنَّهَا حَقٌّ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّكُمْ كَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ بِبَيَانِهِ فَأَنَا أَبْرَأُ مِمَّا أَحْدَثْتُمُوهُ قَالُوا فَإِنَّا نَتَمَسَّكُ بِمَا فِي أَيْدِينَا مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ وَلَا نُؤْمِنُ بِكَ وَلَا بِمَا جِئْتَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ