تَفْصِيلٌ فَمَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَجَبَ إِنْذَارُهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَإِلَّا اسْتُحِبَّ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي بَعْثِ الْكِتَابِ مَعَ دِحْيَةَ وَحْدَهُ فَائِدَةٌ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْخَطِّ إِذَا قَامَتِ الْقَرَائِنُ بِصِدْقِهِ قَوْلُهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَصْدِيرِ الْكُتُبِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِ كَافِرًا وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ أَيْ بِذِكْرِ اللَّهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ رُوِيَ عَلَى أَوْجُهٍ بِذِكْرِ اللَّهِ بِبِسْمِ اللَّهِ بِحَمْدِ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا الْكِتَابُ كَانَ ذَا بَالٍ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ وَلَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِلَفْظِ الْحَمْدِ بَلْ بِالْبَسْمَلَةِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَصَححهُ بن حِبَّانَ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّته فَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِيهِ بِلَفْظ حمد الله وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ وَرَدَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ ثُمَّ اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامَّا لَكِنْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى تَقَدُّمِ الْخُطْبَةِ وَأَمَّا الْمُرَاسَلَاتُ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا الْعُرْفِيَّةُ بِابْتِدَائِهَا بِذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا بِلَفْظِ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ فَالِابْتِدَاءُ بِالْحَمْدِ وَاشْتِرَاطُ التَّشَهُّدِ خَاصٌّ بِالْخُطْبَةِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فَبَعْضُهَا يَبْدَأُ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ تَامَّةً كَالْمُرَاسَلَاتِ وَبَعْضُهَا بِبِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ كَمَا فِي أَوَّلِ الْجِمَاعِ وَالذَّبِيحَةِ وَبَعْضُهَا بِلَفْظٍ مِنَ الذِّكْرِ مَخْصُوصٍ كَالتَّكْبِيرِ وَقَدْ جُمِعَتْ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَقَعْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدِ بَلْ بِالْبَسْمَلَةِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْكِتَابِ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ الْقُرْآنَ وَمَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْجِهَادِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَمَا يَرِدُ عَلَيْهِ بِمَا أَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ هَذَا كِتَابٌ لَمْ أَسْمَعْهُ بَعْدَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الِابْتِدَاءَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَخْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ مِنْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَفِي الْجِهَادِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ وَإِنْ كَانُوا أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ فَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَقْرُونٌ بِأَنَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكَأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى بُطْلَانِ مَا تَدَّعِيهِ النَّصَارَى فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ الْقَارِئَ لَمَّا قَرَأَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى عَظِيمِ الرُّومِ غَضِبَ أَخُو هِرَقْلَ وَاجْتَذَبَ الْكِتَابَ فَقَالَ لَهُ هِرقل مَالك فَقَالَ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَسَمَّاكَ صَاحِبَ الرُّومِ فَقَالَ هِرَقْلُ إِنَّكَ لَضَعِيفُ الرَّأْيِ أَتُرِيدُ أَنْ أَرْمِيَ بِكِتَابٍ قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ مَا فِيهِ لَئِنْ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَأَحَقُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَلَقَدْ صَدَقَ أَنَا صَاحِبُ الرُّومِ وَاللَّهُ مَالِكِي وَمَالِكُهُمْ وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ دِحْيَةَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ إِلَى هِرَقْلَ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَعْطَيْتُهُ الْكتاب وَعِنْده بن أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبْطُ الرَّأْسِ فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب نخر بن أَخِيهِ نَخْرَةً فَقَالَ لَا تَقْرَأْ فَقَالَ قَيْصَرُ لِمَ قَالَ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الرُّومِ وَلَمْ يَقُلْ مَلِكُ الرُّومِ قَالَ اقْرَأْ فَقَرَأَ الْكِتَابَ قَوْلُهُ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ عَظِيمِ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ وَيَجُوزُ الرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمُرَادُ مَنْ تُعَظِّمُهُ الرُّومُ وَتُقَدِّمُهُ لِلرِّيَاسَةِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ أَمَّا بَعْدُ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ فِي بَابِ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ الْإِشَارَةُ إِلَى عَدَدِ مَنْ رَوَى مِنَ الصَّحَابَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَتَوْجِيهُهَا وَنَقَلْتُ هُنَاكَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ إِنَّ مَعْنَى أَمَّا بَعْدُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ وَأَقُولُ هُنَا سِيبَوَيْهِ لَا يَخُصُّ ذَلِكَ بِقَوْلِنَا أَمَّا بَعْدُ بَلْ كُلُّ كَلَامٍ أَوَّلُهُ أَمَّا وَفِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ قَالَهُ فِي مِثْلِ أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَمُنْطَلِقٌ وَالْفَاءُ لَازِمَةٌ فِي أَكْثَرِ الْكَلَامِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015