عُمَرَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ صَحِيحَة على قَاعِدَته وَلم ينْفَرد بن عُمَرَ بِسَبَبِ هَذَا النُّزُولِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يعلى وبن مرْدَوَيْه وبن جَرِيرٍ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالُوا نُعَيِّرُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَعَلَّقَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدٍ وَهَذَا السَّبَبُ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَشْهُورٌ وَكَأَنَّ حَدِيث أبي سعيد لم يبلغ بن عَبَّاس وبلغه حَدِيث بن عُمَرَ فَوَهَّمَهُ فِيهِ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاس قَالَ أَن بن عُمَرَ وَهِمَ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ وَذَلِكَ أَسْتُرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ فَأَخَذَ ذَلِكَ الْأَنْصَارُ عَنْهُمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَلَذَّذُونَ بِنِسَائِهِمْ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَفْعَلُ فِيهَا ذَلِكَ فَامْتَنَعَتْ فَسَرَى أَمْرُهُمَا حَتَّى بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ فِي الْفَرْجِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيّ من وَجه آخر صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ وَهَذَا الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ الْآيَةُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ كَمَا سأذكره عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَرَوَى الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ احْتَمَلَتِ الْآيَةُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ حَيْثُ شَاءَ زَوْجُهَا لِأَنَّ أَنَّى بِمَعْنَى أَيْنَ شِئْتُمْ وَاحْتَمَلَتْ أَنْ يُرَادَ بِالْحَرْثِ مَوْضِعُ النَّبَاتِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْوَلَدُ هُوَ الْفَرْجُ دُونَ مَا سِوَاهُ قَالَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ وَأَحْسَبُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ تَأَوَّلَ مَا وَصَفْتُ مِنِ احْتِمَالِ الْآيَةِ قَالَ فَطَلَبْنَا الدَّلَالَةَ فَوَجَدْنَا حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ وَهُوَ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فِي التَّحْرِيمِ فَقَوَّى عِنْدَهُ التَّحْرِيمَ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي من طَرِيق بن عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ حَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ مُنَاظَرَةً جرت بَينه وَبَين مُحَمَّد الْحسن فِي ذَلِك وَأَن بن الْحَسَنِ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَرْثَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَرْجِ فَقَالَ لَهُ فَيَكُونُ مَا سِوَى الْفَرْجِ مُحَرَّمًا فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ وَطِئَهَا بَين سافيها أَوْ فِي أَعْكَانِهَا أَفِي ذَلِكَ حَرْثٌ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَحْرُمُ قَالَ لَا قَالَ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا تَقُولُ بِهِ قَالَ الْحَاكِمُ لَعَلَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ وَأَمَّا فِي الْجَدِيدِ فَصَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ اه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَلْزَمَ مُحَمَّدًا بِطَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا انْتَصَرَ لِأَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْحُجَّةُ عِنْدَهُ فِي التَّحْرِيمِ غَيْرُ الْمَسْلَكِ الَّذِي سَلَكَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَعَلَّقَ مَنْ قَالَ بِالْحِلِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَانْفَصَلَ عَنْهَا مَنْ قَالَ يَحْرُمُ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّبَبِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ يَعْنِي كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْآتِي قَالَ وَالْعُمُومُ إِذَا خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ قُصِرَ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ حُجَّةً فِي الْجَوَازِ لَكِنْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِالْمَنْعِ فَتَكُونُ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ الْآيَةِ وَفِي تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِبَعْضِ خَبَرِ الْآحَادِ خِلَافٌ اه وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَالذُّهْلِيِّ وَالْبَزَّارِ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ قُلْتُ لَكِنْ طُرُقُهَا كَثِيرَةٌ فَمَجْمُوعُهَا صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ أَنَّا لَوْ قَدَّمْنَا أَحَادِيثَ الْإِبَاحَةِ لَلَزِمَ أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْدَ أَنْ حَرُمَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّالِحَةِ الْإِسْنَادِ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَخْرَجَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وبن ماجة