قَوْلِهِ فَاحْثُ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ لِأَنَّهُ يُقَالُ حَثَى يَحْثُو وَيحْثِي قَوْلُهُ مِنَ الْعَنَاءِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ وَالْمَدِّ هُوَ التَّعَبُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَذَرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنَ الْغَيِّ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِثْلُهُ لَكِنْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَمُرَادُ عَائِشَةَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ فَقَدْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَمَنْ يُخَاطِبُهُ فِي شَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِزَالَتِهِ وَلَعَلَّ الرَّجُلَ لَمْ يَفْهَمْ مِنَ الْأَمْرِ الْمُحَتَّمِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ لِلرَّجُلِ بِذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَكِنَّ تَقْدِيرَهُ إِنْ أَمْكَنَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْكِنُهُنَّ إِنْ فَعَلْتَهُ وَأَمْكَنَكَ وَإِلَّا فَالْمُلَاطَفَةُ أَوْلَى وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ مُعَاقَبَةِ مَنْ نُهِيَ عَنْ مُنْكَرٍ فَتَمَادَى عَلَيْهِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى كَلَامِ عَائِشَةَ إِنَّكَ قَاصِرٌ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا أُمِرْتَ بِهِ مِنَ الْإِنْكَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُصُورِكَ عَنْ ذَلِكَ لِيُرْسِلَ غَيْرَكَ وَتَسْتَرِيحَ أَنْتَ مِنَ الْعَنَاءِ وَوَقَعَ عِنْد بن إِسْحَاقَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي آخِرِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَحْثِيَ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ قَالَتْ وَرُبَّمَا ضَرَّ التَّكَلُّفُ أَهْلَهُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنَ الْفَوَائِدِ بَيَانُ مَا هُوَ الْأَوْلَى بِالْمُصَابِ مِنَ الْهَيْئَاتِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الِانْتِصَابِ لِلْعَزَاءِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَمُلَازَمَةُ الْوَقَارِ وَالتَّثَبُّتِ وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ مَنْ شَأْنُهُ الِاحْتِجَابُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ وَأَمَّا عَكْسُهُ فَمَمْنُوعٌ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الدُّعَاءِ بِلَفْظٍ لَا يَقْصِدُ الدَّاعِي إِيقَاعَهُ بِالْمَدْعُوِّ بِهِ لِأَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ أَيْ أَلْصَقَهُ بِالتُّرَابِ وَلَمْ تُرِدْ حَقِيقَةَ هَذَا وَإِنَّمَا جَرَتْ عَادَةَ الْعَرَبِ بِإِطْلَاقِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي مَوْضِعِ الشَّمَاتَةِ بِمِنْ يُقَالُ لَهُ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي قَوْلِهِ احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ دُونَ أَعْيُنِهِنَّ مَعَ أَنَّ الْأَعْيُنَ مَحَلُّ الْبُكَاءِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَقَعْ عَنْ مُجَرَّدِ الْبُكَاءِ بَلْ عَنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ مِنْ صِيَاحٍ أَوْ نِيَاحَةٍ وَاللَّهُ أعلم
[4264] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدِّمِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ عَمُّهُ وَعَامِرٌ هُوَ الشّعبِيّ قَوْله يَا بن ذِي الْجَنَاحَيْنِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَنَاقِبِ جَعْفَرٍ وَأَنَّهُ عُوِّضَ بِذَلِكَ عَنْ قَطْعِ يَدَيْهِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ حَيْثُ أَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ ثُمَّ أَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ ثُمَّ احْتَضَنَهُ فَقُتِلَ وَإِنَّ النَّسَفِيَّ رَوَى عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ يُقَالُ لِكُلِّ ذِي نَاحِيَتَيْنِ جَنَاحَانِ وَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْجَنَاحَيْنِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ لَيْسَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ قَوْلُهُ جَنَاحَانِ لَيْسَا كَمَا يَسْبِقُ إِلَى الْوَهَمِ كَجَنَاحَيِ الطَّيْرِ وَرِيشِهِ لِأَنَّ الصُّورَة الْآدَمِيَّة أشرف الصُّور وأكملها فَالْمُرَاد بالجناحين صِفَةٌ مَلَكِيَّةٌ وَقُوَّةٌ رَوْحَانِيَّةٌ أُعْطِيهَا جَعْفَرٌ وَقَدْ عَبَّرَ الْقُرْآنُ عَنِ الْعَضُدِ بِالْجَنَاحِ تَوَسُّعًا فِي قَوْله تَعَالَى واضمم إِلَيْك جناحك وَقَالَ الْعُلَمَاءُ فِي أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ إِنَّهَا صِفَاتٌ مَلَكِيَّةٌ لَا تُفْهَمُ إِلَّا بِالْمُعَايَنَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِجِبْرِيلَ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ وَلَا يُعْهَدُ لِلطَّيْرِ ثَلَاثَةُ أَجْنِحَةٍ فَضْلًا عَنْ أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ خَبَرٌ فِي بَيَانِ