الْحَدِيثِ أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَأْتُونَ الشَّامَ وَالْعِرَاقَ تُجَّارًا فَلَمَّا أَسْلَمُوا خَافُوا انْقِطَاعَ سَفَرِهِمْ إِلَيْهِمَا لِدُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَتَبْشِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ مُلْكَهُمَا سَيَزُولُ عَنِ الْإِقْلِيمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ قَيْصَرَ بَقِيَ مُلْكُهُ وَإِنَّمَا ارْتَفَعَ مِنَ الشَّامِ وَمَا وَالَاهَا وَكِسْرَى ذَهَبَ مُلْكُهُ أَصْلًا وَرَأْسًا أَنَّ قَيْصَرَ لَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَهُ وَكَادَ أَنْ يُسْلِمَ كَمَا مَضَى بَسْطُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَكِسْرَى لَمَّا أَتَاهُ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَزَّقَهُ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ فَكَانَ كَذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ يَمْلِكُ مِثْلَ مَا يَمْلِكُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ وَبِهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّذِي لَا يَتِمُّ لِلنَّصَارَى نُسُكٌ إِلَّا بِهِ وَلَا يَمْلِكُ عَلَى الرُّومِ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ قَدْ دَخَلَهُ إِمَّا سِرًّا وَإِمَّا جَهْرًا فَانْجَلَى عَنْهَا قَيْصَرُ وَاسْتُفْتِحَتْ خَزَائِنُهُ وَلَمْ يَخْلُفْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَيَاصِرَةِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ بَعْدَهُ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَابِ الْحَرْبُ خَدْعَةٌ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ هَلَكَ كِسْرَى ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ وَلَيَهْلِكَنَّ قَيْصَرُ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ قَالَ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمُ امْرَأَةً الْحَدِيثَ وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا مَاتَ شِيرَوَيْهِ بْنُ كِسْرَى فَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَهُ بُورَانَ وَأَمَّا قَيْصَرُ فَعَاشَ إِلَى زَمَنِ عُمَرَ سَنَةَ عِشْرِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ مَاتَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّامِّ وَلَدُهُ وَكَانَ يُلَقَّبُ أَيْضًا قَيْصَرَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ وَقَعَ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُمَا لَمْ تبْق مملكتها عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَّرْتُهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَفْظُهَا إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَفْظُهَا هَلَكَ كِسْرَى ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ بَوْنٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ كِسْرَى وَالْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ التَّغَايُرُ بِالْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ فَقَوْلُهُ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى أَيْ هَلَكَ مُلْكُهُ وَارْتَفَعَ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَاتَ كِسْرَى ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ كِسْرَى حَقِيقَةً اه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هَلَكَ كِسْرَى تَحَقُّقَ وُقُوعِ ذَلِكَ حَتَّى عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه وَهَذَا الْجَمْعُ أَوْلَى لِأَنَّ مَخْرَجَ الرِّوَايَتَيْنِ مُتَّحِدٌ فَحَمْلَهُ عَلَى التَّعَدُّدِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَانِ هَذَا الْجَمْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَوْلُهُ رَفَعَهُ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَوْلُهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ كَذَا ثَبَتَ لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَبِيصَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ مِثْلُ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ وَكَذَا قَالَ لَمْ يَذْكُرْ قَيْصَرَ وَقَالَ كُنُوزَهُمَا قَوْلُهُ وَذَكَرَ وَقَالَ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَذَكَرَهُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَأَنَّهُ يَقُولُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَيْ مِثْلَ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبَاقِينَ فَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ وَذَكَرَ كَلَامًا أَوْ حَدِيثًا وَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمَذْكُورَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015